تطوير المنهاج يعني جيلاً بنّاءً

 أولت الدولة اهتماماً كبيراً بالعملية التعليمية، واعتبرت التعليم حقاً من حقوق المواطن، وهو إلزامي ومجاني في مرحلة التعليم الأساسي، ومجاني في باقي المراحل، وضمن هذه المنظومة لابد من تطوير المناهج وفقاً للتطوير الذي يحدث على المستوى العالمي، وخاصة مع ظهور العولمة ووسائل التواصل الفضائية المختلفة.

وكما نعلم أن تطور المناهج التعليمية هو ركن من أركان تطور المجتمع وتقدم الدولة، وخاصة أن كل حقبة زمنية تحمل معها أحداثاً جديدة لابد من مواكبتها، لكن ما اتضح لنا من تغيير وتعديل طرأ على المناهج في سورية وخاصة خلال هذه الفترة من الأزمة، لا يدل على أننا نواكب الحداثة في التربية والتعليم، بل اتضح أننا نحجّم عقول أجيال لنردّها إلى القرون الوسطى، وكأن الحياة وقفت عندها، ولم يدخل أي جديد على حياتنا، ولا على مجتمعنا وأطفالنا المتاح لهم كل شيء عبر الجوال. لا نُغيّب الأطفال وليدي الأزمة أو الذين عايشوها في مناطق وجودها، فهم بحاجة إلى منهاج ينير دروبهم من جديد بعد ظلمتها، بحاجة إلى الحب إلى التسامح، إلى علم يدعى علم التربية والأخلاق، بعد أن سقطت الأخلاق في ظلمة القتل والجهل في سنوات الأزمة السبع. لذا لا ضرر من التحدث عن زنوبيا، لكن لا يمنع أن يعرض المنهاج أيضاً ماضي نساء في هذا الزمن صنعن المجد بالعلم والحرية والأمل والتغيير.

أيضاً ليس من مانع أن نتحدث عن العصر الأموي بجعله بداية الطريق لعصرنا المليء بالأدباء والمفكرين والعلماء والباحثين، فلكل زمن عباقرته ومفكريه، ولكي نبني دولة علينا أن نربي ونعلم جيلاً، ولكن لكي نربي هذا الجيل، لابد من دعم يسند الأهل ألا وهو المدرسة، لذا لابد من كادر مؤهل مواكب للحداثة متقن للعملية التربوية في مدارسنا، ليستطيع أن يمسك بيد أبنائنا ويتجه بهم نحو الطريق السليم كي يكونوا جيلاً مبتكراً، فمن الضروري أن  يكون الكادر المؤتمن على تغيير المناهج خاضعاً لعملية تغيير وتدريب وتأهيل تربوي، منفتح على كل ما هو جديد، ليستطيع أن يكون القدوة في حمل راية التطور والتقدم لجيل الغد.

لا ننسى الجدل الذي أثارته المناهج الجديدة على الساحة السورية، وخاصة بعد أن شارفت أزمتنا على أن تخمد، فاستفقنا على كتب بدل أن يكون مضمونها مفعماً بالحب والأدب والمعارف، حمل بين طياته أحداثاً لم تكن حتى في القرون الوسطى، وكأن المؤلف توقف الزمن عنده في أرض البادية مع الأعراب، والحرب مازالت تحت رحمة المنجنيق، وما زلنا ننتظر زرقاء اليمامة أن تبشرنا بالآتي، كأن العولمة لم تدخل بيوتنا، وكأن أطفالنا مازالوا يمتطون الجدار جواداً ويحملون العصا سيفاً، وأمهاتنا يردن النبع ليجلبن الماء لنا! هكذا وصم عصرَنا من أرادوا تحديثنا لنواكب العالم، فقد جعلوا مناهجنا تقف خلفنا بأعوام بدل أن نلحق بها نحن، لذا لابدّ من إعادة النظر بمدى تطابق الشكل مع المضمون في العملية التعليمية، ليكون كتابنا خير جليس، لجيل استفاق على صوت الرصاص غارق في بحر دم من أزمة عمرها بعمر أطفال هم الآن في سن التعلّم والاكتساب.

 

العدد 1105 - 01/5/2024