سورية كالعنقاء في أسطورتها

العنقاء في أسطورتها من الرماد تُبعث بحلة أبهى وأجمل..فالبدايات الجديدة قد تُخلق من دوامة الألم والمعاناة.

ونحن اليوم في سورية وعلى مدار سبع سنوات من حرب الموت والخوف، الجوع قهرنا وما يزال في كل لحظة.. وبترت تلك الحرب بنيرانها أنفاسنا بكل تجلياتها وتبعاتها النفسية والجسدية والاقتصادية..

قد لا تسعفني الكلمات في التعبير وحصر مشاعر شعب بأكمله، ولا يمكن حتى لجملة أن تختصر الجراح وتشمل بوصفها كل الجوانب، فالحديث عن الماضي وهذه القصص المشبعة بالمرارة والألم لا يستحضر إلاّ وجوهاً باكية وأفئدة تطلب الموت أمام عيون أم شهيد تزغرد في جنازته قبل عرسه. لكن ما أستطيع الحديث عنه الآن في هذه المرحلة هو الأمل بخلقٍ جديد ينفخ الروح في خارطة الوطن، ويكفينا ما سال من دماء روّت بكل عنفوان ترابه.

ألم يحن موعد البعث من جديد؟

في أرض الواقع نحن من نخلق…

نعم، نخلق الفرصة ونقتل شكّنا

نخلق حاضرنا ونقتل خوفنا

نحن الفاعلون في لعبة الحرب والسياسة

موكبنا نحو البر يسير وإلى بر السلام نمضي

صار الدرب نحو غدٍ مرسوماً نتطلع فيه إلى أعمدة أساس شبه مرسومة

فبلدي لا تقبل إلاّ باليد السورية لتبني وتصنع..

وصار الحلم يسابق كل شاب ليصير في الغد واقعاً ملموساً بين ذرات تراب الوطن..

حين أفنت الحرب بعض المعالم لم نخسر ربما، فقد حررت مساحة جديد نعيد البناء عليها بأساليب مختلفة..

فُتِحَتْ النوافذ نحو أحلام جديدة يعاود فيها كل سوري العمل الحثيث لترميم وتصحيح كل الجوانب المادية والمعنوية، فالفرصة موزعة تبعاً للخبرة والعلم، لا واسطة تنفع ولا تزوير يوصل.. يجب توزيع المهام في اللجان المحلية والمناصب القيادية، فنستخدم كل القوى لاستثمار الموارد الموجودة مادية كانت أو بشرية، لأن الاختيارات ستكون صحيحة بعد تجربة مريرة وفريدة. لا أعتقد أن لأحد منّا رغبة في معاودة سيناريو الحرب والخسارات، وحتى الذين هاجروا يجب العمل على خلق فرص واقعية لاستقطابهم والاستفادة من خبراتهم.

يحكمنا في غدنا العلم والتخطيط المدروس، لا نتبع ليد غريبة، نترك الدين لله وحده نعبده في الخلوات، فالسياسة تقتلها ألعاب التحايل بحروف الدين.

والمرأة سيصفق ساعداها، وبعد أن حملت مرّ الأزمات ستحمل بجدارة مسؤولية المستقبل ولن تكتفي بوجود بسيط، فالوطن للكل ومن ثابر وعمل سيغنم.

الكلام والاستشراف مهم لتعزيز الأمل في النفوس، لكنه بحاجة إلى تصديق والبدء بلملمة الأوراق المبعثرة وإعادة ترتيبها، فلنشرع بغرس الأعمدة وتصحيح المسارات للمضي بطريق الغد الجديد.

كل هذا الأمل بالمستقبل والطاقة العظيمة يدفعنا إليها حب الحياة الوطن، ليكون حلمنا ذلك الذي شغف القلب وليداً بين دموع العين يرقص فرحاً..

وسيؤرخ التاريخ هذا النصر الذاتي قائلاً إن شعباً أحرقته الحرب وداسه الموت، وظلّ الدم شلالاً هادراً في عروقه ينادي الروح، يستنهضها من رحم الألم.

العدد 1105 - 01/5/2024