على هذه الأرض ما يستحقُّ الحياة

 وُصِفَتْ سورية بشتَّى الصِّفات، لكن كلَّ ما قيل عنها لا يزال منقوصاً ولم يفِها حقَّها، فسورية هي التُّربة الخصبة لمختلف المجالات، الاجتماعية منها والثَّقافية والبيئية والمهنية والفكرية والسِّياسية…. إلخ، البلد المكتفي ذاتياً فيما لو قُصَّت أيدي اللُّصوص وتوقَّفت عن سرقته، البلد الذي لا تغيب عنه الشَّمس بالأفكار ذاتها، لكونه مجتمعاً متجدِّداً منفتحاً واعياً ومتطلِّعاً لأن يحيا.

فيما لو هُيِّئت لسورية ما بعد الحرب حكومةٌ تعتزُّ بالمكانة التَّاريخية والحضارية، وتعترف بحقوق مواطنيها وتحترمهم كشركاء حقيقيين في عملية البناء، لأصبحت البلاد الأكثر تطوُّراً في المنطقة.

هذا ما نصبو إليه لسورية ما بعد الدَّمار المعشِّش فينا، والخراب الذي لم يترك مجالاً إلاّ أصابه، نريد الاعتراف بنا بشراً ومواطنين لنا من الحقوق بقدر ما علينا من واجبات، لا أن نُطالَب بما علينا ويجري التغاضي عمّا لنا، والتَّعامل مع أي عطاءٍ من قبلنا على أنَّه واجبٌ مفروضٌ بذريعة حبِّ الوطن ومفهوم المواطنة، نريد أن تُحترم عقولنا، أن يحقَّ لأبنائنا التَّعلُّم ونيل الشَّهادات العليا أسوةً بأبناء الدُّول الرَّاقية لا أن يكونوا فئران تجاربٍ، وأن تكون المدارس والجامعات بالمستوى المطلوب من حيث البنى التَّحتية والكوادر العاملة، وأن نجد فرص عملٍ في بلدٍ فيه الكثير من الإمكانيَّات والقدرات، وربط سوق العمل بالمؤسَّسات التَّعليمية كي لا تكون شهاداتنا مجرَّد أوراقٍ تُرصُّ على الجدران.

أن يكون لأطفالنا الحرِّية في الرَّكض الآمن، في شوارع منظَّمةٍ نظيفةٍ خاليةٍ من كلِّ مظاهر العبث بطفولتهم، وأن تكون حدائقهم وملاعبهم الخاصَّة بمتناول الجميع، بغضِّ النَّظر عن المستوى المادي، بدلاً من أن يبحث بعضهم في حاويات القمامة، عمَّا يسدُّ رمقهم ورمق ذويهم. فرغبات الطُّفولة واحدةٌ لا تدرك معنى الفروق المادية ولا نريدها أن تدركها في وقتٍ مبكِّرٍ جداً.

نطمح لأعيننا وأرواحنا أن تنعم ببيئةٍ خضراء تخفِّف من آثار التَّلوُّث، بدلاً من قطع الأشجار وتحويل المسطَّحات الخضراء إلى مشاريع خاصةٍ بالبعض، حتى يهطل المطر ناعماً لطيفاً بعد أن اشتقنا لرائحته كلِّ شتاء.

أن يكون بمقدورنا تأمين سكنٍ لائقٍ يأوينا وأسرنا، دون تجشُّم هموم الأسعار والتَّلاعب بها.

ألّا يصبح المرض سبباً مباشراً في مشكلةٍ أسريةٍ لا حلَّ لها، وألّا يقف الأبوان عاجزين عن تأمين العلاج أو إيجاد الطبيب المختص الماهر.

أن يترقَّب الكهل سنَّ الَّتقاعد كفرصةٍ لتجديد حياته، بعد أن قدَّم عمره في العطاء، عوضاً عن تشبُّثه بالعمل الذي يشعره بأنَّه لا يزال على قيد الحياة، ولأنَّ الرَّاتب يسدُّ له احتياجاته.

أن تكون الضَّرائب عادلةً تتناسب وحجم الثَّروات المتفاوتة، ليتمَّ الإفادة منها لاحقاً إن غدر بنا الزَّمن ولم نتمكَّن من الحصول على فرصة عملٍ فلا نخشى الجوع والعوز.

ولتصبح طموحاتنا واقعاً يدفعنا جميعاً للمساهمة في بناء بلادنا، نحن بأمسِّ الحاجة إلى القوانين الحقَّة الصَّارمة التي نتساوى جميعنا أمامها.

إنَّ أحلامنا وطموحاتنا هذه تعبيرٌ عن رغبتنا في تبوؤ سورية المكانة التي تستحقها بالفعل، فهل من مجيب؟

العدد 1105 - 01/5/2024