أوراق.. وحوار حول الواقع الاقتصادي والاجتماعي في ظل الأزمة التي تعيشها سورية

في الذكرى الخمسين لتأسيس جمعية العلوم الاقتصادية…

نظمت جمعية العلوم الاقتصادية، يوم الخميس الماضي في قاعة جامعة دمشق للمؤتمرات، احتفالية بمناسبة مرور خمسين عاماً على تأسيسها، تضمنت الاحتفالية مناقشة عدد من الأوراق الاقتصادية المتعلقة بالسياسة النقدية والمالية في سورية، وواقع الصناعة الوطنية، والقطاع الزراعي خلال سنوات الأزمة، ومراجعة للسياسات الاقتصادية الكلية،

وكان الحضور كثيفاً،دل على مكانة هذه الجمعية..ودورها في تطوير الاقتصاد الوطني.

د.كمال شرف: الجمعية أثبتت حضوراً مميزاً في الحياة العامة

رئيس مجلس إدارة الجمعية د.كمال شرف افتتح الاحتفالية قائلاً: (تضم الجمعية أيها السادة … نخبة من الاقتصاديين الأكفاء، الذين يمتلكون المعرفة النظرية والخبرة العملية في مختلف فروع الاقتصاد، وينتمون إلى طيف واسع من التيارات الفكرية والمدارس الاقتصادية، وقد يكون لهذا التنوع في الأفكار والرؤى دور كبير في خلق جو من الحوار البناء الذي ساد في تلك الندوات. بلغ عدد ندوات الثلاثاء 24 أربعاُ وعشرين  ندوة كان آخرها في عام 2011 تناولت موضوعاتها مختلف القضايا والسياسات التنموية الخاصة بالصناعة والزراعة والتجارة والنقل والتأمين والسياحة والاتصالات والطاقة والإنشاءات، والنقد، والتسليف، والمصارف والمالية، كما تصدت محاضرات ندوة الثلاثاء لمواضع اقتصاد السوق، ودور الدولة في التنمية، والأبعاد الاجتماعية والإنسانية للتنمية في سورية، والتخطيط وآليات السوق، ودور المرأة في الاقتصاد السوري، وهجرة الكفاءات، والتنمية الإقليمية، وأزمة الجفاف في المنطقة الشرقية وآثارها الاجتماعية والاقتصادية، ودراسات الجدوى الاقتصادية، والمواصفات والمقاييس، ومناخات الاستثمار، والاقتصاد الريعي.

الجمعية أثبتت حضوراً مميزاً في الحياة العامة، ولا سيما الاقتصادية والفكرية، ولا تزال تتابع دورها في تسليط الضوء على القضايا الاقتصادية والاجتماعية التي تواجه سورية، والوطن العربي، متمسكة بدورها وموقفها الوطني التقدمي، والتزامها بالعمل على تحقيق التنمية بمختلف المجالات).

وطالب شرف، بـ (مراجعة جذرية للسياسات والممارسات الاقتصادية المتبعة، بما يتوافق مع تكثيف الجهود لتنمية الاقتصاد السوري، ولا سيما في القطاعات الإنتاجية، وتجفيف منابع الهدر وإغلاق منافذ الفساد).

ولفت نائب رئيس الجمعية، ورئيس اتحاد غرف التجارة السورية، غسان قلاع إلى (الدور الذي قامت به الجمعية خلال الخمسين عام الماضية، في تشخيص الواقع الاقتصادي، وتقديم الحلول للمشكلات التي تواجه الاقتصاد الوطني)، موضحاً (أهمية استمرار الجمعية في عملها ودعمها وتوفير التمويل اللازم لها).

السياسات النقدية والمالية في سورية

وعرض الدكتور دريد درغام الورقة الأولى التي تضمنت مناقشة السياسات النقدية والمالية في سورية، من خلال تقديم مدخل للنقاش جاء فيه (مناقشة تدخل الحكومة في الاقتصاد، والتحكم في التجارة والصناعة عن طريق تقديم المزايا أو وضع القيود، وتشجيع التجارة والصناعة بتقديم الحماية والدعم والتمويل، إضافة إلى تغير إنفاق الحكومة، وإيراداتها لضبط نشاط السياسة المالية، وأخيراً استقرار العملة المحلية تجاه الأسعار والسلع والخدمات).

وتابع درغام، (تبين أن هناك تقنيناً في رفع تنافسية معظم الشركات العامة والخاصة، وسوء التطبيق في الحماية والكوتا والسقوف، وبنية تمويل واستقلال ضعيفة، عبر ارتباط النمو بتوفر الموارد الطبيعية).

وحول السياسة النقدية، أكد درغام أن (هناك تدهوراً واضحاً بسعر الصرف خلال الأزمة، وذلك بعد استقرار تام للسعر خلال العقود الماضية)، مضيفاً أن (ماحصل الآن هو أن الليرة السورية خسرت مايقارب الـ 80% من قيمتها، وهذا يعتبر بنظر البعض، إنجازاً مقابل الحرب التي تتعرض لها سورية).

وتابع درغام، أن (جزءاً من الاحتياطي استخدم في تمويل المستوردات، وأن الاحتياطي في سورية كان يبلغ 18 مليار دولار)، مشيراً إلى أن (الانهيارات المالية تحدث بعد انتهاء الحرب وليس خلال الحرب، كما حصل في لبنان بعد 8 سنوات من الحرب الأهلية).

وأضاف درغام، أنه (هناك مشكلة في غياب سوق السندات، وجزء منها كان بسبب استدانة الحكومة من المصرف المركزي بدلاً من سوق السندات، لأنها أرخص)، لافتاً إلى ما يسمى (غياب التقاص، والعمل اليدوي، حتى داخل البنية المصرفية المركزية، فالعمل فيها غير مؤتمت، إضافة إلى الإصرار على أن النقد الورقي ماقبل الأزمة، هو الأساس في الكتلة النقدية، وحتى ما بعد الأزمة).

وعن السياسة المالية، أشار درغام إلى أنه (خلال الفترات الماضية، كان هناك ميل لأن تكون الإيرادات كتقدير مبالغ في انخفاضها، مما يحقق أكثر فعالية، إضافة إلى رفع النفقات، ما يؤدي لاحقاً إلى ضغط في النفقات، وهو ما يسبب إشكالية معينة)، مضيفاً: (تعرضنا في الماضي للحرب والعقوبات والحصار الاقتصادي، كانت المسبب في رفع العجز وزيادة الدين العام، ويوجد حالياً استمرار للإدارة في التجريب، ويوجد لجوء للحلول الأسهل، وهي رفع الضرائب، والتقشف بمواقف تحتاج للنقاش، وهناك مواقف للتقشف أفضل بكثير مما جرى حتى الآن).

وأضاف درغام، أن (الموازنة في سورية تميل إلى التزايد، وسوف نشهد استقراراً، وهو حالة غير معقولة في الحرب، لأن في الحروب هناك زيادة في الإنفاق، وزيادة في الدين العام، وقلق من توازن الموازنة)، مشيراً إلى أن (الحل غير مبرر، بأن ترتفع النفقات والديون، ففي أيام السلم كان هناك بند في كل قانون موازنة، ينص على أن أي ديون مستحقة على الدولة مع عجوزات وفوائد، تقذف تلقائياً إلى 15 سنة، وتقسم بعدها على 10 سنوات).

وأوضح أن (الحلول الجذرية ممكنة لسببين، وهما تحديد الأشياء وتسميتها بمسمياتها، وأن الإعمار الحقيقي لا يكون في خضم الحرب، وما يمكن أن يكون هو إصلاح أو مقاومة للعيش، فالإعمار الحقيقي يكون بعد انتهاء الحرب، إضافة إلى أن للحرب مخاطر، وهي فرصة للتغيير لم تكن متاحة مطلقاً أيام السلم، ولكن يجب أن يكون هناك وضوح في التوجهات).

وعن الحلول على الصعيد المالي، قال درغام: (الترشيد السليم لا يكون من خلال رفع الضرائب أو الترشيد المرتجل، وإنما باتخاذ عدة تدابير، تتمثل بتشكيل حكومة حرب، وتكون البداية للترشيد الحقيقي، إضافة إلى إلغاء البنى العاطلة أو تجميدها أو دمجها، وأن الكرامة للموظف السوري لا يصنعها الدوام، وإنما يصنعها العمل.

وتابع درغام في الحلول على الصعيد المالي، أنه (في قطاع الكهرباء، كان هناك 5,4 مليارات دولار لتوليد 2500 ميغابايت، ومن خلال الاستشارات مع المختصين، تبين أنه يمكن توليد هذه الطاقة بنصف هذا المبلغ، وببنية قابلة للمقاومة، إضافة إلى تنظيم الدعم بحلول بعيدة عن زيادة التكلفة).

وتعقيباً على محاضرة الدكتور دريد درغام، أكد الدكتور إلياس نجمة أن (السياسة المالية تقوم على سياسة اقتطاع الإيرادات، وسياسة النفقات)، مشيراً إلى أن (الإيرادات العامة لدينا، هي الضرائب، وفوائد القطاع العام).

وأضاف نجمة، أن (الإيرادات الضريبية تراجعت، والنظام الضريبي خلال فترات الرخاء، لم يجر عليه أي إصلاح جذري، ولكن كان يتم بعض الإصلاحات والرتي للنظام الضريبي، وهذا ما جعلنا نقوم على نظام ضريبي يقوم على الضرائب النوعية لما قبل الحرب العالمية الثانية، فضريبة الإيراد العام لم تطبق، وضريبة الثروة لم تحدث). وعن الإيرادات النفطية، أفاد نجمة أنه (تم خداعنا من خلال التزوير والقول بأن النفط مدعوم، وفي عام 2008 كان هناك خياران، إما زيادة الضرائب من أجل زيادة الإيرادات، وتحسين النظام الضريبي، أو زيادة الأسعار، وبالتالي تمت زيادة أسعار المشتقات النفطية، التي تعود بالضرر على المواطن الفقير).

واقع الصناعة السورية في ظل الأزمة

في الورقة الثانية، التي تمحورت حول واقع الصناعة السورية في ظل الأزمة، أكد الباحث فؤاد اللحام أن (البحث في آثار الأزمة على الصناعة، ينقسم إلى 5 أقسام، الأول أثر الأزمة على الصناعة، والتعامل مع الأزمة، إضافة إلى الإجراءات والتدابير الحكومية، والمعوقات، انتهاءً بالمقترحات).

فبالنسبة إلى أثر الأزمة على الصناعة، قال اللحام إن (الآثار تتمثل بوجود مشاكل جديدة وصعوبات ما قبل الأزمة، والتشابكات والتأثيرات المتبادلة مع القطاعات الاقتصادية والخدمية الأخرى)، مشيراً إلى أن (أهم الآثار على الصناعة هي أضرار المنشآت الصناعية والتي بلغت 1524 منشأة، خاصة بتكلفة 250 مليار ليرة سورية، و49 منشأة عامة بمبلغ 5,365 مليار ليرة سورية).

وأضاف اللحام: (هناك تراجع في إنتاج المحاصيل الزراعية التي تشكل مدخلات للصناعات النسيجية والغذائية وتسويقها، ووقف العديد من المنشآت والمشاريع المتناهية الصغر والحرفية، التي كانت تزود المنشآت الصناعية الصغيرة والمتوسطة ببعض الخدمات الإنتاجية، إضافة إلى خسائر حصة هامة من السوق المحلية لصالح الاستيراد والتهريب والفساد، وسيطرة المجموعات المسلحة على معبر نصيب الحدودي، وأخيراً، صعوبة تحصيل ديون الشركات الصناعية من الزبائن، وتسديد الخدمات للموردين والمصارف العامة).

وعن التعامل مع الأزمة، أشار اللحام، إلى أن (الصناعيين في سورية، موزعون على 4 أصناف، صناعيون يوجدون في المناطق الآمنة، وصناعيون بقوا في سورية واستطاعوا نقل منشآتهم إلى الأحياء الآمنة، والصناعيون الذين دمّرت منشآتهم أو يصعب الدخول إليها، وأخيراً الصناعيون الذين قاموا بنقل معاملهم كلياً أو جزئياً خارج سورية).

أما المعوقات، فقد لخصها اللحام بـ (التأخير في تقدير التعويضات للصناعيين المتضررين وصرفها، والبطء في إعادة تأهيل المرافق العامة، وعدم إيجاد معبر بري يحل مكان معبر نصيب، وتردي الأوضاع الأمنية في (الشيخ نجار).

مقترحات

والمقترحات التي قدمها اللحام، جاءت على النحو التالي:

 (يجب اعادة تأهيل القطاع الصناعي، وتجاوز الأزمة من خلال مرحلة إعادة الإعمار والبناء، المرتبطة بإيجاد حل سياسي للأزمة، وإنجاز المصالحات الوطنية، وإجراء عمليات الإصلاح، إضافة إلى تحقيق التكامل والتنسيق بين إعادة تأهيل القطاع الصناعي الأساسي، وتأهيل القطاعات الإنتاجية والخدمية).

واقترح اللحام عدداً من الإجراءات الفورية، وتتمثل بـ (تأمين مواضع صناعية بديلة آمنة، والإسراع في إصلاح وتأهيل البنية التحتية والخدمات اللازمة، والإسراع في تقديم قروض قصيرة الأجل، وشروط ميسرة للمؤسسات الصناعية المتعثرة، إضافة إلى تقديم التمويل اللازم لإعادة تأهيل المنشآت الصناعية وتشغيلها، مع إقامة دورات تدريبية للمهجرين والمهجرات على الصناعات التي تحتاجها، من أجل سد النقص في اليد العاملة).

وتابع اللحام، أنه (يجب الإسراع في إصدار قانون جديد للاستثمار ، وتقديم التسهيلات للصناعيين الذين غادروا البلاد، من أجل العودة، والاستفادة من إعادة تأهيل المنشآت الصناعية العامة والخاصة وتشغيلها، كفرصة لإعادة إنتاجها، وتناسق الإجراءات وتكاملها مع الإجراءات التالية والمطلوب اتخاذها على المدى القصير، من أجل حسن الصناعة والإنجاز).

أما الإجراءات على المدى القصير فهي: (البدء بإعداد ملفات الفرص الاستثمارية ذات الأولوية للمشاريع الصناعية الضرورية التي تتطلبها عملية إعادة الإعمار، وتهيئة البنية التشريعية اللازمة لتحفيز الاستثمار الصناعي، واستعادة الرساميل، إضافة إلى إعداد برنامج وطني متكامل لإصلاح القطع الصناعي العام وتنفيذه، مع الإسراع في إحداث مجلس التنمية الصناعية، وتفعيل دور المؤسسات والهيئات الداعمة). وأضاف اللحام، أنه يجب أيضاً (الانتقال إلى دور تنموي جديد، لوزارة الصناعة، يحولها إلى وزارة سياسات صناعية، ووضع تصورات أولية وفق أولويات محددة، وتشجيع إقامة شركات متخصصة لتسويق المنتجات الوطنية، وتنشيط دور المعارض والفعاليات التجارية الخارجية، وبناء الخبرات الوطنية في مجال التطوير، والتحديث الصناعي في كل الاختصاصات، وتشجيع إقامة الشركات المساهمة العامة.

واختتم اللحام ورقة الصناعة بالتركيز على أن (نجاح إعادة تأهيل بنية الصناعة السورية، يتطلب جهوداً كبيرة من الجهات العامة والخاصة بما يضمن تشجيع الجهات الاستثمارية، من حيث الإدارة والتنظيم والتنفيذ أو من حيث المواد الآلية لهذه العملية).

العدد 1107 - 22/5/2024