المعلم في طهران ومسقط: آن الأوان لإنهاء الأزمة السورية…تحرك دولي يمهّد لمبادرات قادمة… والسوريون يتفاءلون بحذر:الأولوية لوقف نزيف الدم ومواجهة الإرهاب

 شهدت الأيام القليلة الماضية تحركاً دولياً لافتاً أعقبه نشاط دبلوماسي كثيف تركز على ضرورة إنهاء أزمة السوريين.

في لقاءي لافروف وكيري في الدوحة وكوالامبور، جاء الإعلان الروسي عن تفاهم بين الدولتين على أولوية مكافحة الإرهاب، وضمان أمن الخليج، وضرورة حل الأزمة السورية عبر الحلول السلمية.. وظهرت جلية هنا الانعكاسات السياسية للاتفاق النووي الإيراني، فإيران كانت حاضرة ومؤثرة في هذا التحرك، إضافة إلى روسيا والولايات المتحدة.

الحكومة السورية لم تكن غائبة عن هذا التحرك، فقد زار الوزير وليد المعلم إيران، وأعلن استمرار الدعم الإيراني لسورية في مواجهة الإرهاب التكفيري، وأُعلنت أثناء الزيارة الخطوط العامة للمبادرة الإيرانية لحل الأزمة السورية، التي تطمح إيران لتصبح مبادرة دولية تحظى باعتراف واعتماد من الأمم المتحدة.. وتناقلت وسائل الإعلام بنود هذه المبادرة، التي ركزت على وقف المعارك العسكرية، وتشكيل حكومة انتقالية، ووضع دستور جديد يضمن حقوق الأقليات والمكونات الإثنية، وإجراء الانتخابات بمراقبة دولية.

لن ندخل في تفاصيل  المشروع الإيراني، الذي لم تتبلور نهائياً تفاصيل بنوده، لكن السوريين عاشوا دائماً في انسجام وتآلف بين جميع مكوناتهم السياسية والدينية والإثنية كمواطنين في دولة واحدة، وقد طالبوا ومازالوا يطالبون بدستور علماني.. ديمقراطي، يضمن حقوق المواطنة لجميع السوريين.. لا بدستور يكرس محاصصة بين أقلية وأكثرية، ومكون إثني وآخر، ويوزع الحقوق والواجبات حسب التكوين والانتماء العشائري والطائفي.

كانت زيارة الوزير المعلم إلى مسقط استثنائية بجميع المقاييس، إذ أعلن الطرفان أنه: (آن الأوان لإنهاء الأزمة السورية)، وفتحت هذه الزيارة آفاقاً لإعادة النظر في مواقف دول الخليج من مكافحة الإرهاب، وأهمية تشكيل تحالف دولي لمواجهته، لكننا لا نتوقع استدارة كاملة في مواقف الخليجيين من الأزمة السورية دون الحصول على مكاسب قد تضع جميع الحلول على كف عفريت.

التحركات مستمرة، وتصريحات الأمريكيين توزع حسب المكان.. وانتماءات المتلقّين.. والمحللون السياسيون يؤكدون قرب تبلور إجماع دولي حول سبل إنهاء الأزمة السورية.

السوريون ينتظرون الفرج، فالإرهاب التكفيري يهدد كيان دولتهم ووحدتها وأراضيها وانسجام مكوناتها المتعددة، وهم لا يرون بديلاً عن الحل السلمي، فهو السبيل الآمن لفعل كل ما هو خيّر ونافع من أجل مستقبل بلادهم الديمقراطي.. العلماني، لكنهم في الوقت ذاته، يصرّون على إشراك ممثلي الشعب الحقيقيين في العملية السلمية، لا فئات من المعارضة الخارجية التي ساندت العدوان على سورية ودعمت الإرهاب التكفيري، وتنتظر اليوم إنزالها عن (الرف) لتأخذ حصتها.

إن أي مبادرة سلمية تتطلب – حسب اعتقادنا- رداً سورياً يستند إلى توافق السوريين وقواهم السياسية الوطنية القومية الذين دافعوا عن سورية منذ خمسة أعوام حتى اليوم، وقاسوا الأمرّين بعد الحصار الاقتصادي الظالم، وتعرضوا للقذائف والتفجيرات والقتل والخطف والاعتقال.

ولتهيئة المناخ الملائم لإنجاح هذا التوافق، نؤكد هنا ما كتبناه مراراً على صفحات (النور) حول ضرورة إطلاق سراح معتقلي الرأي والموقوفين الذين لم يحملوا السلاح ضد الشعب السوري، وسرعة إحالة المتهمين إلى المحاكم، ومعالجة التجاوزات على القوانين، وخاصة تلك التي تنال من كرامة المواطن السوري، كائناً من كان مرتكبها، ونذكر هنا مثلاً بالجريمة التي ارتكبت في اللاذقية فذهب ضحيتها العقيد حسان الشيخ.

السوريون متفائلون وينتظرون نهاية مأساتهم الوطنية والإنسانية، لكنهم، بعد ما قاسوه في السنوات الخمس لن يفرّطوا بحقهم في اختيار مستقبلهم ونظامهم السياسي وممثليهم.

العدد 1107 - 22/5/2024