شبح الشيخوخة ومخاوفه على حياتنا

مخاوف كثيرة مرتبطة بحياتنا، والخوف الأكبر هو تقدمنا في السن، خاصة أننا في بلد مرت عليه سبع سنوات عجاف، فالخوف هنا أكبر، لا لأننا سنخسر مظهرنا وتتغير معالمنا ويشيب شعرنا وتغزو التجاعيد جسدنا، بل لأن هناك شبحاً أكبر بكثير سيلاحقنا، ألا وهو فقدان القدرة على العمل والكسب، وبالتالي فقدان القدرة الشرائية لما هو ضروري لنا من طعام ولباس ودواء، لاسيما إذا لم نكن من متقاعدي القطاع العام، ولا نمتلك راتباً تقاعدياً يقينا ذلّ السؤال.

لا يخفى على أحد أنه كلما تقدم الشخص في السن ازدادت أمراضه، وهنا لابد من العلاج والدواء والنظام الغذائي الصحي والحمية وما شابه، والمشكلة الأكبر هي أم يصاب المسنّ بمرض يتطلب عملاً جراحياً يتطلب مورداً مادياً في ظلّ دخل محدود أو معدوم عند غالبية المسنين، ولا ننسى كذلك مشكلة السكن والمسكن وخاصة للعائلة البسيطة التي لا تملك سوى مسكن صغير، أو لا تملك قطعياً سكناً خاصاً بها إنما تسكن بالإيجار، مما يفرض إقامة الأبوين مع أولادهم المتزوجين في منزل واحد، لا شكّ أنه ستنجم هنا مشاكل بسبب اختلاف ما بين طباع الأهل والأبناء والأحفاد، ولابد أن يلجأ الطرفان لاتخاذ قرار بوضع الأهل في دار المسنين، وهذا الحل بحد ذاته صدمة قاتلة للأهل، ولا يخفى على أحد أن رعاية المسنين وتلبية حاجاتهم قبل الأزمة لم تكن بأفضل مما هي في ظلّها.

لذا أملنا بالتقدم في هذا المضمار بعد انتهاء الحرب وتوجّه قطاعات الدولة نحو الإصلاح في كل المجالات والجوانب، وبضمنها الجانب الخاص برعاية المسنين، وذلك تكريماً لعطائهم من منطلق حقّهم علينا بعد عطاء طويل أخذ منهم شبابهم وصحتهم، فلا بدّ أن تسعى الدولة والمنظمات الإنسانية والمدنية إلى تخصيص مردود مادي يتقاضاه المسن شهرياً لتأمين مصروفه الشخصي، كذلك لابدّ من إيجاد مراكز صحية مجانية أو شبه مجانية خاصة برعاية كبار السن، تقدم لهم الدواء وتشرف على علاجهم، وإن اضطّر الأمر عند البعض لإجراء عمل جراحي أن تساهم في دفع تكاليف هذا العمل لمن لا قدرة له على هذا، أو تساهم بدفع الحصة الأكبر من قيمة العمل الجراحي على الأقل، ولا ننسى أيضاً أهمية المأوى (السكن) الذي يُعتبر من الضروريات، فلابدّ من تأمين دور خاصة للمسنين مُجهّزة بكل ما يلزم تحت إشراف الدولة والمنظمات الإنسانية ممن هم ثقة، وذلك لتلافي استغلال التبرعات وتسولها بحجة تأمين احتياجات المسنين. طبعاً هذا أقل شيء يمكن أن نقدمه لمن أعطى وأفنى حياته بالعطاء فلا يبنى جسد ليفنى جسد، ولا ننسى أننا جميعاً سوف نصل إلى هذا العمر، فلابدّ أن نصنع اليوم لمن سبقونا بالعمر من آبائنا وأمهاتنا ما يريحنا غداً، لأن من حق المُسِن في بلدنا أن يتمتع بما يحصل عليه المُسِن في الغرب لو بجزء قليل لتعويض شقائه. وهنا لا بدّ من صحوة الحكومات الكريمة حيال الكبار في السن، والمثل يقول

(من ليس لديه كبير- راجح العقل- فليشترِ كبيراً!).

العدد 1107 - 22/5/2024