لا طموح يثنيه الرضا

لكل منّا حلم يرافقه منذ الصغر، فهناك من يستطيع تحقيقه، وهناك من تكون الظروف أكبر منه فلا يستطيع قهرها، وبالتالي يضيع حلمه بقوة تلك الظروف وسطوتها، ومنّا من يكون هو نفسه السبب المباشر في تضييع أحلامه، فقد يتكاسل ويترك أمره لله، فلا يهم إن تحققت أحلامه أم لا مُقتنعاً بمقولة (مين رضي عاش)! طبعاً هو لا يعلم أن هناك شرخاً كبيراً بين الطموح والتسليم بالرضا، فمن يطمح لبلوغ العلا لا بدّ أن يسهر الليالي، وأن يستمر في العطاء كي ينال مراده، فلا يمكن أن تتحقق الطموحات لشخص لا مبالي أو متواكل على الله، لتأتيه أمانيه مع ضربة حظ فتتحقق.

كذلك لا نتجاهل أن كلّاً منّا يتمنى أن تُشبع مطالبه وأن تتحقق رغباته، لكن إمكانية تحقيق هذه الأمنيات تصطدم بواقع الظروف الاجتماعية، ممّا يدفع الفرد للوقوع في صراع شديد، صراع بين الذات الحقيقية للشخص والذات المثالية المرجوّة لكل منّا، وعندما تشتدُّ الصراعات الداخلية للبعض منّا، ويصعب حلّها فإننا هنا نخلع عن ذاتنا الحقيقية صورة المثالية لنبحث عن البديل الذي يُرضينا، ويُسعد ذاتنا. طبعاً هنا تأتي مقولة من رضي عاش، والتي هي مخالفة تماماً لما يُسمى طموحاً نسعى لتحقيقه، وبالتالي لا حول ولا قوة، فلا يمكننا أن نتجاهل صعوبات الحياة، وخاصة بما يفرض علينا من ظروف فرضتها الحروب والأزمات وما خلفته من وضع مادي قاسٍ جعل بعضنا يواصل الليل بالنهار لتأمين أقلّ ما يمكن من القوت اليومي لأسرته، وهنا لا مجال لنحقق أحلاماً اعتبرناها سلفاً من الكماليات أمام لقمة العيش.

إلاّ أنه لا يمكن تعميم هذه المقولة وما تبعثه من سكينة للبعض القابعين تحت رحمة الظروف على أشخاص وُجِدوا بالدنيا لتحقيق طموحاتهم، لأنهم حتماً سيتغلبون على مجمل تلك الظروف وسينهضون من تحت الركام ليصلوا إلى الهدف المرجو أو المأمول، فلا يهمُّهم فقر أو جوع، المهم أن هناك غاية يسعون إلى نيلها وكلهم ثقة أن الآتي من وراء سعيهم هو السعادة بذاتها، وهذا ما نراه عند الكثير من المبدعين الذين خلّدهم التاريخ، والذين أبدعوا من قلب الفقر والألم الذي كان ربما سبباً ودافعاً قوياً لعبقريتهم ونجاحهم، فهم قد داسوا على كل الظروف مقابل الطموح لتبقى مقولة ( مين رضي عاش) في نظرهم سلاح المستسلم للواقع الخانع لكسله فقط.

 

العدد 1107 - 22/5/2024