نساء الريف.. أمهات المجتمع

 منذ أن وجِدَ الإنسان على الأرض، يعود اكتشاف الزراعة في العصور السحيقة للمرأة التي اكتشفت من خلال الأنواع التي زرعتها علاجاً لبعض الأمراض، مثلما أنتجت الغذاء الذي ساهم باستمرار الحياة البشرية التي تعاقبت خلالها أجيالاً تَوّجت المرأة سيّدةً للحقول والمزارع على مدى مراحل التاريخ، فغدت المرأة الريفية أم المجتمع وأمنه الغذائي.

ولهذا، فقد حددت الجمعية العامة للأمم المتحدة، بقرارها 136/62 تاريخ 18/12/،2007 يوم 15/10 من كل عام يوماً دولياً للمرأة الريفية، اعترافاً بما تضطلع به النساء الريفيات، وبضمنهن نساء الشعوب الأصلية، من دور وإسهام حاسمين في تعزيز التنمية الزراعية والريفية وتحسين مستوى الأمن الغذائي والقضاء على الفقر في الأرياف. وباعتبارنا مجتمعات زراعية رعوية، فإن نساء الريف حكماً عاملات بالزراعة، إلاّ أنهن يلاقين تمييزاً اجتماعياً وتنموياً وحقوقياً أكثر مما تلاقيه المرأة المدينية، وذلك بحكم القيم والأعراف المجتمعية التي تسود الريف من جهة، وبحكم الإهمال الحكومي للريف عموماً، وللمرأة الريفية بشكل خاص. فمثلاً، لا يدخل عملهن في حساب الدخل الوطني، لأنهن لا يُعتبرن منتجات أصلاً. وقد زادت الحرب السورية من معاناة الريفيات، لاسيما في المناطق المتوتّرة، إذ شهدن وعايشن كل ويلات هذه الحرب ومآسيها، بكل تسمياتها وتصنيفاتها، غير أن غالبيتهن لم تستسلم لمصيرها، بل عملت جاهدة وبكل ما تملك من معرفة وقوة، فقامت بدايةً بزراعة بعض احتياجاتها الغذائية الخاصة بها ضمن سلل كرتونية أو بلاستيكية، ثم انتقلت لبيع إنتاجها، إضافة إلى صناعة مشتقات الحليب ولو على نطاق ضيّق، كي تؤمّن باقي متطلبات أهلها وأسرتها في ظلّ الغلاء المتوّحش الذي أججت الحرب نيرانه بكل الاتجاهات. وبعد عقود من الشعارات خرج مصطلح (تنمية وتمكين المرأة الريفية) من غرف الإنعاش مُجدداً في الأوساط الحكومية، ليسود على نطاق واسع، سواء أثناء وضع الخطط الإسعافية التي تضعها الحكومة ووزارتها المختلفة من أجل النهوض بواقع المرأة السورية التي تحمّلت وحيدة، بكل اقتدار وإحساس عال بالمسؤولية، أعباء الأسرة والمجتمع خلال سنوات الحرب، أو أثناء وضع الاستراتيجيات لضمان الأمن الغذائي الذي تُعدُّ المرأة الريفية أحد صُنّاعه.

فهل ستتابع الحكومة والجهات المعنية، أهلية ومدنية وأممية، ما بدأته لتغدو هذه المشاريع واقعاً ملموساً يُنقذ المرأة الريفية ومجتمعها من براثن الفقر والجوع والجهل، فهل سيطول الانتظار، أم أن الآمال متجددة على الدوام؟

العدد 1107 - 22/5/2024