المرأة الريفية حمّالة المواسم

 قيل إنها نصف المجتمع، وإنها خُلقت من ضلع آدم وأكملت معه المسير.. كانت آلهة الخصب يوماً، وصارت بعد ذلك ملكة تدمر وسبأ.. واليوم هي شريكة في بناء المجتمع في كل مكان، هي الأم والأخت والزوجة، تشارك الرجل حتى في العمل، تحملت الأعباء كلها في بعض الأحيان، وكانت على قدر تلك المسؤولية.. استطاعت أن تعطي الحب والأمان وتصنع من ذات اليد منجلاً في الأرض.

نعم، المرأة الريفية حمّالة المواسم، كم مرة قبّلت الشمس جبينها فازدادت سمرتها ألقاً وفي عينيها ازدادت جمالاً! شاركت الأرض في كل المواسم، فكان العطاء والخير منهما يغمر الجميع.

في كل صباح تبدأ مسيرة العمل لتزرع وتحصد، أما متطلبات المنزل فلا تزال تنتظرها، وحتى أكوام المحصول بحاجة إليها، إما للبيع أو لجعلها مؤونة الشتاء والحاجة، وهذا ما يزيد الضغط عليها ويُحمّلها عوضاً عن المسؤولية مسؤوليات أكبر من محور العائلة، لتصير ممن يساهمون في ضمان الأمن الغذائي في مختلف المجتمعات البشرية.

دور هام لهذه المرأة المكافحة بغض النظر عن المهمة الجليلة التي تقوم بها كأم ومربية، مما حدا بالأمم المتحدة لاعتبار يوم 15 تشرين الأول من كل عام يوماً عالمياً للمرأة الريفية لتسلط الضوء على واقعها الصعب والشّاق.

فعلى الرغم من عظمة ما تقدمه، إلاّ أن الإهمال والحقوق المسلوبة تنهش وجودها وتستنكر قطرات الجهد في المجتمعات العربية والإسلامية خاصة، لتبقى الحلقة الأضعف والأكثر هشاشة!

فكيف سيكون الحال مع حرب مستعرة منذ سنوات سبع خاصة في الأرياف!؟

مع مشاكل المجتمع والعقد النفسية لم تكن قادرة على نيل أبسط حقوقها، فكيف الآن والدمار طال كل المعالم، وربما سلب منها الأرض لتختنق مع عائلتها بالأعباء المادية، وإن لم تكن الأعباء المادية إشكالية، فكيف لإنسان جُبل بمِسْكِ الأرض أن يُحرم منها؟!

واقع الأنثى في مجتمعنا نقطة سوداء لم تمحُها المطالبات، ولم تُقلب فيه صفحات التطور خصوصاً للمرأة الريفية، حتى أن حقها في التعليم يُنظَر إليه على أنه كماليات لا تحتاجها الزراعة.. واليوم مع الحرب تاه العلم لشرائح مختلفة، وصار لا مهنة تعرفها الأنامل ولا علم تفقهه العقول!

دائماً ما نعول على المجتمع والمؤسسات المجتمعية في تحسين واقع الأفراد أو تسليط الضوء على المشاكل التي تعتصرهم والسعي لحلها، غير أن واقع المرأة الريفية كان قبل الحرب يُخالطه التقصير وافتقاد المعرفة بالحقوق، وقد تعاني من ضعف الرعاية الصحية. أمّا اليوم في ظل الحرب فصار الوضع أكثر سوءاً، فقد غابت الرقابة بشكل أكبر وتدهورت أحوالها الصحية، الحياة فرضت عليها نمطاً جديداً في العمل في ظلّ تقلص مساحات الزراعة أو انعدامها، ومع ذلك نجد بعض الحالات التي تحدّت الظروف وراحت تسطر أسطورة شخصية في محاربة الواقع والنيل من الظرف لتحافظ على أجزاء أسرتها سليمة بعيداً عن نار الحرب، فكفاح المرأة كان وما زال متجذّراً في بنيانها ولم ولن تثنيها الظروف مهما ساءت أو اشتدت قسوتها. 

العدد 1107 - 22/5/2024