رغم أهميته حالياً.. القطاع العام الصناعي.. هل الحكومة جادة في إصلاحه؟

 القطاع العام الصناعي الذي يعتبر إخدى حلقات العمود الفقري للاقتصاد السوري لم يكن بمنأى عن الحرب الظالمة على سورية، ولكن الظروف الحالية تؤكد أهمية تحريك عجلة الصناعة الوطنية، لما لها من أهمية بالغة في تشغيل الأيدي العاطلة عن العمل وتقوية الاقتصاد السوري بطرحها المنتجات في الأسواق، وبالتالي كسر جمودها وتقوية العملة الوطنية، عدا قدرة هذا القطاع على جلب القطع الأجنبي لأن منتجاته تستهدف الأسواق الخارجية وخاصة في حال كانت منافسة وذات قيمة مضافة متميزة عن غيرها من السلع.

ولكن ما نلاحظه أن القطاع الصناعي وخاصة العام بات يعيش تحت سقف الشعارات فقط، فرغم ترهله قبل الأزمة وخسائره الكثيرة، فقد زاده الطين بلة أن كبدته الأزمة خسائر وصلت قيمتها وفق آخر التقديرات إلى نحو 568 مليار ليرة، بما فيها المدن الصناعية، ومقدرة وفق القيمة الدفترية للموجودات الثابتة وفوات المنفعة، عدا ذلك فإن القطاع الصناعي العام يُشغّل وفق مسح أجراه المكتب المركزي للإحصاء خلال 2011 نحو 87057 عاملاً، وبلغت كتلة رواتب وأجور العاملين فيه 23,8 مليار ل.س.

وما لفت النظر مؤخراً تصريح وزير الصناعة الذي قال بأن معظم مشكلات القطاع العام الصناعي إدارية بنسبة 80% في حين أرجع بقية النسبة 20% إلى مشكلات فنية وأخرى تتعلق بالطاقة، ومع تصريح وزير الكهرباء الأخير بأنه يجري استثناء المناطق الصناعية من تقنين الكهرباء وتوفير الكهرباء فيها على مدار اليوم، وهذه خطوة ممتازة لدفع عجلة الاقتصاد الوطني والصناعة الوطنية، فلم يبق إلا المشكلات الفنية التي تواجه القطاع الصناعي، وبالطبع هذا الحديث ليس دقيقاً، وفق الكثير من المتابعين، ذلك أن القطاع العام الصناعي يعاني من صعوبات فنية كثيرة كانت قبل الأزمة وازدات بشكل كبير خلال الأزمة.

أما المشكلات الإدارية فهي أيضاً مؤثرة، لأنها تتعلق بوضع الشخص المناسب في المكان المناسب، وتؤثر في القرارات والخطط، ولكن أيضاً هذا يعتبر تقصيراً كبيراً من الجهة المسؤولية ألا وهي وزارة الصناعة، فهل وضعت الشخص المناسب في المكان المناسب؟ وهل ركزت على العمل الإداري أم على العمل الإنتاجي؟ وهل لا تزال المكاتب تعج بالموظفين الذين ربما لا يعملون إلا ساعات قليلة خلال النهار في حين نسمع بأن شركات صناعية وإنتاجية تعاني من نقص العمالة أو من العمالة المسنة؟ وهل وقفت على هموم العاملين؟ طبعاً هذه الأسئلة تبقى في عناية الوزارة..

الحكومة غير جادة في إصلاحه

تعليقاً على التصريح الأخير لوزير الصناعة أوضح الخبير الاقتصادي عابد فضلية ل(النور) أن نظرة الحكومة إلى إصلاح القطاع العام الصناعي مازالت نظرة غير جدية، فهي تتحدث عن إصلاحه منذ نحو 10 أعوام حتى الآن، ولكن المتابع يرى أن الأقوال لا ترقى إلى مستوى الأفعال وما يجري الحديث عنه.

ونبه فضلية إلى أن وزير الصناعة عندما أشار إلى أن 80% من مشكلة القطاع الصناعي العام في سورية هي مشكلات إدارية والباقي مشكلات فنية، فإنه يعلم عن ماذا يتحدث، ولكن أرى أن المشكلات الإدارية ممكنة الحل والمعالجة أكثر من المشكلات الفنية.

وأضاف: أعتقد أنه لو كان القطاع الصناعي العام يعاني من المشكلات الإدارية بالنسبة المذكورة نفسها التي أشار إليها وزير الصناعة لكان يمكن معالجتها عبر إعادة النظر بالتشريعات، مشيراً إلى أن المشكلات التي تواجه القطاع الصناعي العام هي أبعد من كونها إدارية، كما أن المشكلات ليست فنية فقط، فهل نسينا ما يواجهه القطاع الصناعي العام من مشكلات النفقات والتشغيل والقروض والغياب وترك الوظيفة وغيرها، ذلك أن جزءاً من هذه المشكلات جاءت بسبب الأزمة في حين أن جزءاً منها أيضا جاء ما قبل الأزمة سواء من حيث المستوى الفني للآلات والتعمير وغيرها.

ولفت إلى أن الحديث عن إصلاح القطاع العام الصناعي استمر أكثر من 10 أعوام وقُطع شوط كبير ومتقدم في إعداد مسودة لقانون إصلاح القطاع العام الصناعي بعد عام 2005 حتى هذا القانون توقف إصداره أثناء الأحوال العادية، لأن المشكلة في الأساس ليست مشكلة قانونية بقدر ما هي مشكلة فنية وهي جزء من مشكلات القطاع العام بشكل عام وهي تتعلق بالفلسفة والرؤى التي تتعلق بإدارته.

ثلاثة أنواع من المشكلات

وأشار إلى أن الاتحاد العام لنقابات العمال ووزارة الصناعة تحدثوا منذ أكثر من 10 أعوام عن إصلاح القطاع العام الصناعي، والحديث عن ذلك لم يتوقف حتى اللحظة إلا أن الخطوات العملية والفعلية لم يحدث شيء منها رغم ازدياد أهمية القطاع العام الصناعي خلال الأزمة، ورغم أنه ثبت للجميع أهمية الدور الحكومي ودور الاقتصاد وعدم تراجعه حالياً أهمية أن يتم تطويره ويصبح أكثر تدخلاً وبشكل مرن وإيجابي، والحديث عن إصلاح القطاع العام الصناعي قديم حديث ولم يتحقق بشكل فعلي، فالمشكلة الأساسية ليست إدارية، لذا يجب أن نؤكد أهمية القطاع الصناعي وخصوصا العام وعلى الأخص في هذه المرحلة، فالمشكلات التي تواجهه تتمثل بصعوبات تشغيلية وتمويلية ولوجستية، فيجب الوقوف عليها لكي يستطيع القطاع الصناعي في سورية أن يتابع مسيرته.

دعم الصناعة أصبح ضرورة

 ما نود الإشارة إليه هو أن القطاع العام الصناعي في سورية يعاني سابقاً وحالياً من مشكلات متراكمة ومركبة عبر السنوات الماضية، كما يعاني من خسائر اقتصادية ناتجة عن الفساد والترهل وغياب المرونة في التعاملات والتعاقدات، كما لا يمكن أن نغفل تأثير العقوبات الاقتصادية الجائرة المفروضة على الاقتصاد السوري، والتي أثرت سلباً على القطاع الصناعي، من حيث توفر القطع اللازمة للمصانع وعمليات الاستبدال والتجديد.. وذكرت دراسة حكومية صادرة عن هيئة الصادرات مؤخراً، أن الصادرات السورية فقدت الكثير من قدرتها التنافسية ومن قيمتها المضافة، ولو بحثنا في أسباب ذلك لوجدنا ارتفاع التكاليف على اختلاف أنواعها سبباً لهذا التراجع.. وهنا يأتي دور الدعم.. لذا من الأجدى أن يبدأ إصلاح هذا القطاع الهام جداً، وخاصة في ظل الظروف الراهنة بالابتعاد عن الشعارات وأن يشق طريقه إلى التنفيذ على أرض الواقع.. يمكن ذلك بتعزيز الاستثمار في المدن الصناعية. وتخفيض الضرائب والرسوم. ودعم المنشآت الصناعية بحوامل الطاقة واستثنائها من التقنين الكهربائي. والعديد من الخطوات التي يمكن تنفيذها بسهولة ودون عراقيل أو قوانين غير مرنة.. فدعم الصناعة هو دعم للمستهلك وبالمحصلة دعم للاقتصاد، لأنه سيعزز من وجود المنتجات المحلية في أسواقنا المحلية والخارجية، وهذا يعني تعافياً تدريجياً للاقتصاد.. أما إن بقينا في مرحلة الشعارات فلن نلبس ولن نأكل مما نصنع أبداً

العدد 1105 - 01/5/2024