أمثال ٌ شعبية على نحوٍ من الأهمية!!

يصور ضرب الأمثال أفكار الشعوب وعاداتها وتقاليدها، على اختلاف الطبقات والانتماءات، فانتقال الأمثال من جيلٍ إلى جيل، وديمومتها، لربما كان عائداً لإيجاز اللفظ وكثافة المعنى، ممّا وَلَّد سهولة في تداولها وانتشارها على نطاقٍ أعمّ.

فإلى جانب ظاهرية المثل (على أنه عبارة موجزة مسجوعة) يمكن حفظها، كان (المثل) ضمنياً مقولة ذات أهمية، وفي بعض الأحيان نوعٌ من الحِكَم، ذلك أن العرب لم يضعوا الأمثال إلاّ لأسباب وحوادث أوجبت ذلك، حتى تحوّل المثل من عبارة مسجوعة إلى علامة يُعرف بها الشيء.

لذا سيكون مثل (من رضي عاش..) محور النقاش في هذا العدد، فهذا المثل المتداول إلى حدٍّ مفروغ منهُ، سلاح ذو حدين، في ظاهره الوسطية المعتدلة المُحتّمة على قائله اتباع مبدأ الرضا بكل ما يستجد في حياته، وبذلك يكون (من رضي عاش) فعلياً على نحوٍ من الأهمية، لكن ما مصدر هذه الأهمية؟!

سنتطرّق إلى جانبين متناقضين في هذا المثل، أولهما: الأقدار والمستجدات التي لا سبيل لتعديلها أو تغييرها كـ (الأرزاق المُتفاوتة والفوارق الطبقية) يكون فيها قول (من رضي عاش) نوعاً من الاستقطاب الإيجابي وتجنّب إنكار الواقع والصراع النفسي اللاجدوى منه، إضافة ً إلى ذلك فإنه يحفظ المجتمع من جرائم السرقة وغيرها.

أما ثانيهما: مستجدات تطرأ على حياة الصنف البشري ككل، من فشل أو خسارة منصب وظيفي وما إلى ذلك من انكسارات، فإذا ما قبلناها بقول (من رضي عاش) نكون باللاوعي حددنا سقف الطموح بعبارة الخنوع والرضا للوضع المُحاط بالفشل، وبذلك يكون (المثل) يحمل ما يناقض واجبنا وتصرفنا في ظلّ الأزمات والمشكلات.

فهذا الحدّ من التناقض في عبارة (من رضي عاش) يوجب علينا إخراجه من دائرة الحكم أولاً، ومن دائرة التداول ثانياً، على اعتبار أن الفشل بداية جديدة تستوجب السعي لا الرضا بها.

 

العدد 1107 - 22/5/2024