هل نحن بحاجة إلى ثورة إدارية أم تطوير إداري؟

 ضمن فعاليات الملتقى الحواري التفاعلي الذي تقيمه جمعية العلوم الاقتصادية_ فرع اللاذقية، بمناسبة الذكرى الذهبية لإنشائها، عقدت ندوتها الرابعة بعنوان (التنمية والتطوير الإداري).

بعد الوقوف دقيقة صمت إجلالاً وإكراماً للدماء الطاهرة التي روت تراب سورية الأم، بدأ الجلسة الدكتور سنان علي ديب، رئيس فرع الجمعية باللاذقية، متحدثاً عن أن الإنسان هو غاية التنمية وكذلك هو الوسيلة للوصول إلى مستوياتها الجيدة، وبالتالي فأي خلل في تلبية الحاجات الأساسية للإنسان (من غذاء وكساء وتعليم وأمن ومسكن وعمل) هو خلل تنموي واضح وله منعكسات سلبية على بنية المجتمع، وكذلك فإن سوء إعداد الإنسان وتهيئته وتنشئته سوف ينعكس سوءاً على التنمية بشكل خاص، وعلى قوة المجتمع وتماسكه..

عموماً في سورية، وصلنا إلى مستويات تنموية عالية تضاهي أغلب دول المنطقة وتتفوق على أغلبها، ولكن القطع التنموي والانقلاب الاقتصادي الذي حصل قد أخلّ بالمؤشرات ومهّد البيئة لتستقبل الكثير من الأمراض الاجتماعية، ولتكون مدخلاً لما نحن عليه، فلولا النهج الاقتصادي الذي سار عليه الدردري، والذي هو خروج علني ومنقلب عما أقره حزب البعث في المؤتمر العاشر (مفهوم اقتصاد السوق الاجتماعي)، هذا النهج أدى إلى تفشي أمراض البطالة والفقر والهجرة الداخلية، التي كانت مدخلاً لما حصل بسورية. فقد وصلنا إلى تنمية مستقلة بلا قروض مستمرة بفوائض فيالبنك المركزي تزيد عن 20 مليار دولار، وإن كان يشوب التنمية عدم التوازن بين المناطق كالمنطقة الشرقية وإدلب والساحل والسويداء، ولكنها كانت مستقرة ومستمرة، ولو عمل وفق المصلحة الوطنية لوازت هذه المناطق باقي المناطق، وأكبر دليل هو صمود الاقتصاد السوري رغم ما دمّر، إضافة إلى أموال النهب والهدر، فلو سخر جزء منها للسير بالتنمية المتوازنة لوصلنا، ولكن المصالح الضيقة وعدم الرضوخ للواقع الوطني قد أدى إلى خلل واضح وتهشيم بنيوي، وهذا يدل على سوء في إدارة التنمية عبر التقييد الروتيني وعدم إعطاء المرونة لاستخدام المركزية واللا مركزية. وهنا أريد أن أوضح أننا ضد الفدرلة، ولكن مع بعض الصلاحيات للمحافظات، كما حصل في الإدارة المحلية، وكذلك أمراض التدريب والتأهيل كشكل وديكور دون الاهتمام بنتائجه وانعكاساته الفعلية على سير العملية الإنتاجية والخدمية، وبتعيينات فرضت على المؤسسات من قوى اقتصادية همّها السير بنهج الدردري وليس كما تريد المؤسسات، وكذلك الفساد الذي ضرب التنمية بكل أنواعها وأصبح منظومة هناك صعوبة للإحاطة بها والتخفيف من آثارها على حل الأزمة والعودة القوية لسورية وللاقتصاد.

وبعده تكلمت تانيا أستور حول وزارة التنمية الإدارية ونظامها الداخلي وبرنامجها الآني والمستقبلي، حول تبسيط الإجراءات والتعقيدات الإدارية والاستمرار بالدورات التدريبية والعمل الدؤوب لبدء عمل الحكومة الإلكترونية لتسهيل معاملات المواطنين واختصار الزمن.

وتحدث علي حسن عن أهمية وزارة التنمية في التخفيف من الروتين وفك التعقيدات وإقامة دورات التدريب والتأهيل الوزارات لحل المشاكل الإدارية وللوصول إلى صيغ قوانين تراعي المجتمع، ومنها ما يحصل بين وزارة التنمية ووزارة العمل لتغيير قانون العمل.

وتكلم علي ريّا (نقابي سابق ومن الحزب الشيوعي الموحد) عن ضرورة حصول ثورة إدارية لحل الأزمة السورية والقضاء على الفساد، وهذا يتطلب عملاً دؤوباً من خلال مؤسسات التنشئة كلها، وخاصة التعليمية والإعلامية وكل مؤسسات الرقابة.

وتكلم بعده عبد الرزاق درجي عن الفشل الكبير للنهج الاقتصادي الذي سار به الدردري وما زال مستمراً خلال الأزمة، وحقق خلال الأزمة ما عجز عن تمريره الدردري، ويقوض دور الدولة لأبعد درجة ممكنة ويتحكم القلة بالاقتصاد السوري، وأنه هناك إما اقتصاد رأسمالي أو اقتصاد اشتراكي، وأنه لا يمكن بناء الاقتصاد إلا عبر صراعات، وأهم الصراعات هو الصراع الطبقي، وحتى في الأنظمة الرأسمالية لم تنته الصراعات، وإنما استمرت لسبب بنيوي لا يمكن التخفيف من هذه الأزمات إلا بافتعال الحروب. وتحدث عن أهمية تجربة الإدارة المحلية على الرغم من النواقص الموجودة فيها، إلا أنها ترتبط بكل حاجات الإنسان وأكيد من يُنتخب سيلبّي ناخبيه. ثم تابع قائلاً: إن النهج الاقتصادي هو أحد أسباب الأزمة التي نعاني منها، وأنه لابد من حل سياسي يعطي الأمان للبدء بالتطوير الإداري الضروري، لوجود تناقض بين آلية الإدارة ومتطلبات الناس الرئيسية، وأنه يجب إشراك الجميع ضمن ثوابت وحدة التراب والسيادة الوطنية وتعزيز العلاقات مع الدول المتقدمة، وأن التطوير بحاجة إلى إعادة النظر بالقوانين الناظمة وتعديلها بما ينسجم مع الواقع السوري، وأنه يجب الاهتمام بتدريب وتأهيل كوادر قادرة على السير بعملية التنمية بشكل صحيح. وطالب نجدت علي بضرورة استقلالية الجهاز المركزي للرقابة المالية وتبعيته للسلطة التشريعية، وكذلك جهاز الرقابة المالية للسلطة التنفيذيةً.

ثم تحدت فاتح جاموس بأنه يجب أن يكون العمل قطاعياً وإقليمياً حسب المحافظات وليس على مستوى القطر، ثم تطرق إلى أهمية المجتمع المدني ومساهمته بتوفير الخدمات، وضرورة توحد الجهود في الضغط على المؤسسات لتقديم نموذج تنموي مناسب للسكان، مشيراً إلى استمرار الدور المركزي وعدم تفعيل الدور الشعبي، هذا الدور الذي يجب أن يشكل ضغطاً سياسياً وأخلاقياً للإصلاح والتخفيف من الفساد، وأكّد أنه لايمكن مواجهة الفاشية دون هذا الدور، وهنا تدخل رئيس الجلسة مستفسراً عن معنى الفاشية، فأجاب: الإسلام الأصولي.. فردّ الدكتور سنان: أكيد الإسلام والعروبة ستبقى هويتنا. وتساءل: لماذا لا نجمع القوى لمناصرة الشرفاء في النظام الذين يعملون لوحدة سورية ووحدة الدم، ويعرقلون حيتان الفساد الذي همّهم سحب قوة المؤسسات، والذين فرضوا على متشددي الطرفين عدم الخوض في الموضوع الاقتصادي، وهو ما كان مغيّباً في كل الحوارات والمؤتمرات لكل أطراف العملية السياسية؟ فهل كان هناك تأثير للقوى الاقتصادية على هذا التكتّم؟ وأخيراً تكلم بسام الحسين عن أن عدم مشاركة الشعب السوري يعتبر أهم مداميك عرقلة الحل السياسي، وأنه يجب على السوريين البحث عن تطور اقتصادي طبيعي قادر على تلبية الحاجات الإنسانية الأساسية، وأنه لم يتوفر للآن قراءة اقتصادية دقيقة وواقعية قادرة على التشخيص الحقيقي للأزمة الكارثية.

ثم تكلمت المهندسة دينا إلياس عن ضرورة الإحاطة بالفساد والالتفاف حول الشرفاء في مؤسسات الدولة، لحماية سورية وشعبها، والانطلاقة القوية لإعادة الإعمار والتحسين المستمر للخدمات، ولا يتم ذلك إلا بعودة الدولة لقيادة العملية الاقتصادية وإيجاد صيغ للتوزيع العادل للناتج المحلي.

في الختام تحدث الدكتور سنان عن أن النهج الذي يراعي الخصوصية السورية ويحقق العدالة والاستخدام الأمثل للقدرات ويوحد أرضها هو ما نسعى إليه، وأن هناك أشخاصاً في عمق النظام يعملون لسورية الواحدة ووحدة الدم، ويجب أن نقوّي كل من يعمل لمواجهة الفاسدين الذين يعرقلون عمل المؤسسات، ويجب أن نكون حريصين على كل سوري يعمل بعقلية وطن، لا بتخندقات لا وطنية، وأن الخطابات التنظيرية قد أكل الوقت عليها ولابد من الانطلاق من الواقع في الوقت الحالي، وأنه إذا لم نكافح  الفساد، وإذا لم يكن التعيين على أساس الكفاءة، وإذا استمر البعض بتخسير القطاع العام وقتله، فلا عودة قوية لسورية ولا انتصار ذاتياً على الكارثة التي كان من أسبابها السير بلا بصر ولا بصيرة بنهج قاد إلى صراع أفقي وعامودي.. وكل الشكر للحضور ولمن ساهم بنجاح جلستنا هذه بكل حرية وأريحية، وبلا أي تدخل رغم تحمّلهم المسؤولية.

العدد 1105 - 01/5/2024