أجيال المستقبل.. ومسلسلات العنف والفساد!!

ربما ندرك مدى أهمية الاعتناء بالأطفال وتنشئتهم، من خلال ما طالب به أفلاطون حين تحدث عن المدينة الفاضلة، فقد طالب في المرحلة التأسيسية الأولى بأن يكون الأطفال تحت سن العاشرة هم نواتها، وقرر إبعاد من تجاوزت أعمارهم هذا السن ومنعهم من أن يكونوا ضمن شعب المدينة الفاضلة، ذلك أنه أراد أن يبدأ من صفحة بيضاء بعيداً عن عقول الراشدين الملوثة بمعتقدات وأيديولوجيات من ابتداع أصحاب النفوذ ومنافسيهم.

فإذا ما أردنا الحديث عن مستقبل سورية فهو رهين واقع الطفولة اليوم، وعادة ما يكون واقع الأطفال مأساوياً في ظلّ الحروب ابتداءً من حرمان الطفل من أحد والديه بسبب موته أو كونه مفقوداً أو مختطفاً أو مُعتقلاً، مروراً بحالات التهجير والتشرد وصولاً إلى الاضطرابات النفسية التي يمكن أن تُسببها أنشطة الماكينات العسكرية، كخوف الأطفال وهلوستهم في حال سمعوا هدير طائرة أو دويّ مدفع.

كما تنامت ظواهر مؤسفة مثل ظاهرة الباعة الجوالين الصغار، وظاهرة تحويل الأطفال إلى قيمة استعمالية من قبل عصابات التسول، إذ يعمدون إلى تخديرهم وتمديدهم على الأرصفة في الحر والقرّ، ويعمد بعضهم إلى تشويه الأطفال ببتر أحد أطرافهم إذ يُلاحظ أن التشوهات التي يعاني منها بعض هؤلاء الأطفال ليست خلقية أو طبيعية وإنما بفعل فاعل بغية استدرار عطف الناس ومالهم إلى أقصى مدىً، وتقوم عصابات التسول، التي تتضمن أحياناً عائلات تمارس هذه المهنة لأجيال، بتأجير الأطفال في بعض الأحيان لمتسولين آخرين، ومن الصادم حقاً عدم مكافحة أجهزة الدولة لهذه الظواهر على نحو كفيل بالقضاء عليها.

ومن المسائل الأكثر حساسية هي العقد النفسية التي تُزرع بذور معظمها في مرحلة الطفولة، ويكون أحد الأبوين في عدد ليس بقليل من الحالات سبباً رئيسياً في تلك العُقد، كالوالد الذي يمارس العنف الأسري على أطفاله أو أمام أعينهم. ولما كانت الاضطرابات والأمراض النفسية تنعكس بشكل كبير على الحالة النفسية للطفل، ولمّا كان الكثير من الشباب السوري قد أمضوا زمناً من سني حياتهم على جبهات القتال ضد غيلان داعش، ثم تُسرّحهم الدولة دون أن تُخْضِعُهم لإعادة تأهيل نفسي، فنحن أمام جيل من الآباء فيه نسبة كبيرة من غير الأسوياء نفسياً، ومن جهة أخرى فإن تراخي الحكومات المتعاقبة خلال الأزمة في مكافحة الفساد والتعفيش سيؤدي إلى نشوء جيل نسبة ليست بالقليلة منه خالية من أخلاق إيجابية، إذ إنها تربّت منذ صغرها على ظواهر هدامة كالكسب السهل والإثراء السريع، وهي لا تؤمن بالوطن أو بالكدح والعمل أو بخطورة حرمان حقوق الآخرين.. وهنا لنا أن نُدرك ماهية مستقبل المجتمع لاسيما أطفاله!!

 

 

العدد 1105 - 01/5/2024