الملف الاقتصادي متشابه بتعاقب خمس حكومات!

كل حكومة تظن أنها الأفضل، وتزعم بأنها تقدم أكثر ما بوسعها، وتدعي أنها تقف إلى جانب الشرائح الفقيرة، وذوي الدخل المحدود، والذين يعيشون تحت خط الفقر. وجدت الحكومات نفسها مدفوعة بلا إرادة لدعم الفلاحين والعمال، ومساندتهم في حياتهم المعيشية الصعبة والقاسية. هذا المشهد يصلح لكل الحكومات التي تعاقبت على البلاد منذ 15 عاماً في الحد الأدنى، ويصلح لحكومات ما قبل الأزمة الراهنة وأثناءها. ماذا تختلف حكومتا محمد مصطفى ميرو و محمد ناجي عطري، عن حكومات عادل سفر ورياض حجاب ووائل الحلقي؟ ألم تتفق هذه الحكومات اقتصادياً على الوقوف إلى جانب المواطن؟ ودعم المنتجين؟ وتأمين مستلزمات الإنتاج؟ وزيادة الصادرات؟

السؤال هنا ليس ترفياً، كما أن تقييم إجراءات هذه الحكومات، ليس بالأمر الصعب، بل يمكن الاستناد إلى مواقفها الاقتصادية، لتبيان مدى التشابه فيما بينها، رغم اختلاف الأزمنة والمراحل والتحديات والأهداف المطلوب تحقيقها، إذ تستقر كل الآراء على أن هذه الحكومات، وقفت إلى جانب شريحة الأغنياء، وتجاهلت الفقراء، وذوي الدخل المحدود، وعبثاً حاولت حكومة عطري إعادة ترميم الطبقة الوسطى وفقاً لمشاريع النائب الاقتصادي آنذاك عبدالله الدردري. كل هذه الحكومات أتت بزخم وقوة كبيرتين، وأطلق وزراؤها مواقف نارية، تعبر عن مدى الرغبة بالعمل من أجل مصلحة المواطن، فكانت النتيجة أن المواطن وجد نفسه في أخر قائمة الأوليات الحكومية، وفي ذيل الاهتمامات. ما خلق تلك الفجوة العميقة بين المواطن والحكومات، وكأنه هدف مخطط له، أن تبنى جدران وأسوار عالية، في وقت كنا بحاجة ماسة فيه إلى بناء جسور تواصل، وتجسيد ذهنية التشاركية، والابتعاد عن صورة المسؤول النمطية غير المرغوبة شعبياً، وفتح آفاق جديدة لإطلاق الطاقات والقدرات المستثناة، والمهملة. هذه المحاولات اصطدمت مباشرة بذهنيات تمتلك القرار، ولها اليد الطولى في صناعته، فكانت النتيجة المخيبة للآمال، بأن تراجع التفاؤل الذي كان المواطن السوري يواسي نفسه به، و يرغب بإيجاد قنوات حقيقية لكسر حالة الجمود وعدم الثقة بين الجانبين.

بماذا اختلف مشروع حكومة عطري ونائبه الاقتصادي الدردي، المتمثل بإيصال الدعم لمستحقيه، وإعادة هيكلة الدعم، عن مشروع حكومة الحلقي التي بلا نائب اقتصادي لعقلنة الدعم؟ فعلاً لايوجد فرق جوهري، تختلف التسميات، والأهداف واحدة. لا فرق بين حكومة عملت قبل عشر سنوات، ولغاية اندلاع الأزمة الراهنة، وبين حكومة ورثت ملفات الأزمة. كيف يمكن تطبيق خطط وبرامج ما قبل الأزمة، على مرحلة الأزمة؟ إنها الكوميديا الاقتصادية السورية بامتياز، والملهاة المحلية التي تعكس عدم الحرص على التعاطي مع الواقع الحقيقي، والركض خلف السراب.

لايهمنا حالة التصويب الدائمة التي تقوم بها كل حكومة على سابقتها، هذا نهج عام يحتاج إلى تغيير نمط تفكير الوزراء، ما يهمنا أن كل من يتعاقبون على الملف الاقتصادي، يأتون بلا مشروع واضح، بلا قضية جوهرية، قادمون ولديهم ملفات مؤجلة، ويتركونها كما هي. لايرغب المسؤولون بالاقتراب من القضايا الحقيقية، لأن خطرها يثير الشهية للانتقاد، وتحميل المسؤولية. لا يجرؤ مسؤول كبير على مقاربة الأرقام الحقيقية بشكل واقعي، يهرب دائماً إلى الأمام، للتغطية على التقصير، وللتمويه على غياب الإجراءات.

مسؤولونا متشابهون، بربطات عنقهم، وسياراتهم، وأفكارهم المستنسخة بعضهم من البعض الآخر، لا يوجد من يغرد خارج السرب الروتيني. يبدو المسؤول الاقتصادي في سورية عاجزاً، لا يملك القرار المفترض اتخاذه، أو الشجاعة الكافية لوضع خطة حقيقية، أو مقاربة واقعية، لاقتصاد أنهكته الحرب، وقضت على معظم عوامل قوته. هذا المأزق جعل من الحكومات الخمس المتعاقبة متشابهة في الملف الاقتصادي، دفع إلى الواجهة، تقصيرها، وعدم اقترابها من هموم الناس وقضاياهم التي تُعنوّن بالاقتصاد قبل أي شيء أخر. يحتاج الاقتصاد إلى رجالات حقيقيين، وصناع قرار عظام، لا إلى منفذين، أو موظفين غير مبادرين. إن المشكلة ليست في الخطط الخمسية أو البرامج التنموية، المعضلة الحقيقية، هي في المسؤول الذي لا يتجرأ على إكمال ما بدأه المسؤول السابق، أو في عجزه عن المحافظة على موقعه قبل أن يتحول إلى مسؤول سابق.

يعكس التشابه في خطط وبرامج حكوماتنا العتيدة، حالة الخواء التي يعيشها المسؤولون الحكوميون، كما أن حصر الملفات لاسيما الاقتصادية منها بيد واحدة، غير قادرة على التصفيق، ينسف كل محاولات العمل الجماعي، ويترك القرار بعيداً عن المؤسسات. تختلف العناوين، وتتفاوت التسميات، لكن الجوهر واحد، إذ تصاغ الخطط من جديد، بعبارات منمقة، وجمل مؤثرة، لكن بلا تنفيذ، وبلا رؤى حقيقية. فعلاً نحن بحاجة إلى حكومة لديها شيء تقدمه، لا إلى حكومات كثيرة الشكوى، قليلة العمل.

العدد 1105 - 01/5/2024