رجال لاقوا التعنيف لإيمانهم بحقوق المرأة

لا شكّ أن الموروث القيمي الديني والاجتماعي وحتى الثقافي فيما يخص المرأة، قد أرخى بظلاله على الجنسين معاً، فكان الرجل أوفر حظاً ومكانة فرضتها الشرائع الدينية عليه واجباً مُقدّساً تجاه المرأة، من منطلق الولاية والوصاية عليها في كل شؤونها.

لكن، ونحن نحتفل باليوم العالمي لمناهضة العنف والتمييز ضدّ المرأة، لا بدّ لنا من التحلي بالجرأة والاعتراف بأن الرجال ليسوا جميعهم مُعَنِّفين للمرأة، بل هناك رجال لم تثنهم رجولتهم والسلطة المُطلقة الممنوحة لهم عن مناصرة المرأة والسير باتجاه رفع العنف والتمييز عنها في مختلف المجالات.

ولأن المرأة كانت ومازالت أسيرة تمييز واضطهاد وعنف بأنواع وألوان مختلفة، لعلّ أخطره العنف الرمزي المتمثّل بثقافة ومفاهيم تتشبث بها المرأة ذاتها، وهو ما وصفه (بيار بورديو) بأنه عنف هادئ، لا مرئي، ولا محسوس، حتى بالنسبة إلى ضحاياه، ويتمثل في أن تشترك الضحية وجلادها في التصورات نفسها عن الذات والعالم، وفي المقولات التصنيفية نفسها. وهذا للأسف ما يجعلنا في حالة تقوقع وتشبّث بأمور وتقاليد اعتبرناها مسلّمات مقدّسة لا يمكن نقضها أو الخروج من شرنقتها، وبالتالي يجري الحكم على كل من يتجرأ على تلك المسلّمات بالتعنيف والتجريم والإقصاء حتى لو كان الرجل ذاته خاصة فيما يتعلّق بقضايا المرأة.

فكم من رجال أخلصوا لثقافتهم وأفكارهم الداعية لهتك تلك المُسَلَّمَات وتحرير المرأة من أغلال القيم البالية التي كبّلتها قروناً طويلة وقيّدتها عن إنسانيتها وتطلعاتها، فدفعوا أثماناً باهظة من الرفض والتعنيف المجتمعي والديني والتكفيري بأبشع صوره وتجلياته، على أيدي سادة المفاهيم المُتحجّرة دينياً واجتماعياً وحتى ثقافياً، ولا ننسى في هذا السياق ما لقيه قاسم أمين، ونزار قباني، ونصر حامد أبو زيد، وغيرهم كثيرون ممّن تجرؤوا على الثقافة القيمية- الذكورية ومُسلّماتها، حين ناصروا بكل شجاعة حقوق المرأة، رافضين تعنيفها والتمييز ضدّها. فلنرفع نحن النساء لأولئك وأمثالهم أسمى آيات التقدير والامتنان اعترافاً بأهمية ما قدموه ليس للمرأة فقط، وإنما للرجل خاصة والمجتمع عامة.

العدد 1105 - 01/5/2024