اضربوهن.. لكن بلطف!

 كان سامر، الذي ينتمي إلى بيئة اجتماعية محافظة في أحد أحياء دمشق، قد تعرّف إلى جارهم سليم، الطالب اليساري المتخفي في الحي الشعبي، فتوطّدت علاقتهما رغم الفارق العلمي، إذ إن سامر ترك المدرسة ليساعد والده في فرن (الصفيحة) الذي يملكونه ويؤمن لهم مستوى معيشياً مقبولاً.

المهم أن معرفته بسليم جعلته ينقلب رأساً على عقب، فقد تعرّف من خلال زياراته وسهراته معه إلى كتب تتحدث عن الظلم الطبقي والقومي وضرورة التغيير، وعن وضع المرأة وضرورة أن تكون مساوية للرجل. النتيجة أن سامر ابتعد عن القيم السائدة في مجتمعه في تعامله مع أخواته خصوصاً، وكان يشجعهن على التحرر من ربقة العادات والتقاليد.

فوجئ ذات أمسية بصراخ أخته منبعثاً من الغرفة المجاورة، كان إخوته الثلاثة يضربونها ضرباً يكاد يقضي عليها، تدخّل بعنف لإبعادهم عنها، لكنهم صرخوا فيه قائلين: سنقتلها هذه الكلبة، لقد رأيناها تلتقي ابن الجيران تحت درج البناء…

استفاقت حميّة سامر العشائرية لوهلة حتى كاد أن يشاركهم الضرب، لكنه ما لبث أن عاد إلى وعيه، خصوصاً بعد أن رأى الدم يغطي وجه أخته وجسدها، اقترب منها وحماها بجسده حتى أبعد إخوته عنها، وهم يكيلون له التهم بقلّة الشرف والكرامة، لكنه تحمّل شتائمهم وأخرجهم من الغرفة، ثم سألها عن علاقتها بالشاب، فاعترفت بأنها تحبه وتلتقي به أحياناً في مدخل البناء، وسيخطبها حالما يُنهي خدمته الإلزامية.

هذه الحادثة تركت علامة في ذاكرة سامر وأخته، إذ بقي إخوته يطلقون عليه ألقاباً تشي بعدم الشرف والحياء، وبأنه (حريمة).. إلخ من ألقاب تُطلق على أي رجل يقف مع امرأة تمارس حقها الطبيعي في اختيار صديقها أو حبيبها أو شريك حياتها.

في أشكال أخرى من العنف ضدّ المرأة، كحرمانها من الميراث، أو منح جنسيتها لأولادها، أو السفر والعمل دون إذن (وليّ أمرها)، والقائمة تطول، هنا أيضاً تبرز معاناة الرجل الذي يتنازل لزوجته عن بعض حقه الذي وهبته إياه شريعة موروثة لم تعد تناسب العصر.

الرجل الذي يتزوج امرأة من خارج بيئته (دينياً أو قومياً أو طائفياً) يخسر الكثير من رصيده الاجتماعي في بيئة لا تقرُّ بالمساواة بين البشر، فيُتّهم بإنكار أصله وانسلاخه عن بيئته المفروضة بحكم الولادة، لتُضاف معاناة الأبناء إلى معاناة الوالدين، إذ يُعتبرون (أبناء الغريبة) في بيئة الأب، و(أبناء الغريب) في بيئة الأم.

وتأتي ثالثة الأثافي، ضرب المرأة من قبل زوجها، وإن بحدود، وهو عذر أقبح من ذنب، إذ كيف تُبيح شريعة اعتداء إنسان على إنسان هو أقرب الناس إليه، كما يُفترض؟

والضرب مذكور صراحة في القرآن: (وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ..)_ سورة النساء.

وفي حديث عن النبي في حجة الوداع: (اتَّقُوا اللَّهَ في النِّسَاءِ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللَّهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ، وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَداً تَكْرَهُونَهُ. فَإِنْ فَعَلْنَ ذلك فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْباً غير مُبَرِّحٍ، وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ)_ صحيح مسلم.

لكن، لكل قاعدة استثناء في هذا السياق، إذ لا بدّ من وجود رجال دين متنورين يحاولون تأويل ما أمكن من أحكام مخففة باتجاه عصرنة الشرائع، لكن صوتهم خافت ومرفوض من الأكثرية المتمسكة بـ (الأصول)، يقول مفتي مصر السابق الدكتور علي جمعة: (ضرب المرأة من الكبائر، والطلاق أفضل وأهون إذا وصل الأمر إلى الضرب المبرح للزوجة).

الحديث يطول، لكن الضرب تحديداً شائع حتى في أوساط مثقفين وفنانين يتبجحون ليل نهار بالتحرر والتقدم والمعاصرة، ولدينا حكايات مفجعة عن مبدعين يمارسون سادية فاقعة على زوجاتهم.

العدد 1105 - 01/5/2024