والمجتمع يُعـنّف من يناصرها

المرأة نصف المجتمع وشريكةُ درب حياةٍ طويلة، يدها تُمسَك بحب ليُرسم الغد بأجمل الألوان، لم تُخلق هذه الأنثى لتكون عاراً يدفَن وعورة تجلب الذل. فالمجتمع نواته الأولى أسرة، لكن المكوّن السحريّ والسري لهذه الأسرة هي أمٌ مُدبّرة وحضن حنون. ما إن ينقطع الحبل السري حتى يظنّ البعض أن الوصل زال، ولا يعلم أنه ازداد، فالحبل الروحي يمتد من أمّنا حواء إلى آخر طفل سيولد.

ورغم قداسة مكانتها مازالت العقول ميتة تُحييها خُرافات الزمن القديم حين كان الرجل هو السلطان والحاكم، وما كان لهذه المرأة من وجود إلاّ بأمرهم. لماذا لم تستحضر لهم ذاكرتهم التاريخية الملكة زنوبيا وبلقيس وحتى الخنساء صحابية وشاعرة؟!

فالنمطية الفكرية المتحجّرة سيطرت عليهم حتى أنها فسّرت آيات القرآن بما يناسبهم، فاتخذوا من قوله تعالى في سورة النساء: (الرجال قوامون على النساء…) شعاراً يبرر تصرفاتهم دون الرجوع لما تحمله هذه الآية من مضامين، واستخلصوا منها ما يناسبهم. (واضربوهن) فكان الضرب منهجهم، وزخرفوا فعلهم بإرجاع نسبه إلى آيات القرآن… لمَ لمْ تصلهم تعاليم دينية أخرى رفعت شأن المرأة وأوصت بها؟

غالباً ما يكون المجتمع بأعرافه وأفكاره البالية هو المساهم الرئيسي في مثل هذه الظواهر، فحين صار العنف شائعاً ويُمارَس على المرأة بأشكال متعددة (نفسي جسدي جنسي) كان مبرر فرض الرجولة شمّاعة نعلّق عليها كل آلام النساء المُعنّفات، والنِّسب تزداد حول العالم، فكان ضمن الإجراءات العالمية المُتخذة اعتبار 25 تشرين الثاني يوماً لرفض جميع أشكال العنف ضدّ المرأة.

لكن، لا يمكن إنكار وجود رعاية مُقدمة واهتمام لطيف تحظى به بعض النساء، ومعاملة راقية تُقدر مكانتها، ولكن لمَ البعض وليس الكل؟

الإجابة مختصرة: (نظرة مجتمع) كانت كفيلة بتحطيم علاقات كثيرة وتراجع العديد من الرجال ممّن ينصاع للمحيط عن أفعاله كي لا يُصنّف ضمن أنصاف الرجال الذين تُسيّرهم امرأة، وكل رجل توجّه بالكلمة الحسنة وآمن بطموح امرأة هو (عدوّ) الرجولة الأول، ففعله هذا يزعزع عرش الذكورة الذي أسسه جدّه بالضرب، وعليه أن يحميه!!

هذه التهم وغيرها تُطلق على كل رجل تعامل بإنسانية مع الأنثى حتى ضمن عائلته، فلماذا هذه النظرة الدونية؟

يعتقد المجتمع أن المعاملة الحسنة هي تصريح يُبرر الأفعال ويُعطي حرية مُحرّمة للأنثى، فيضيع عرضهم وشرفهم. هذه النظرة للرجل والكلمات الناقدة والنابذة التي تلاحقه في كل مكان وزمان تحوّلت إلى عنف وهالة بشعة جعلت كل من أقدم على المعاملة الحسنة يكره فعله وفكره، وكأنه ارتكب جرماً لا يُغتفر، ممّا أدى بشكل أو بآخر إلى استمرار العنف الممارس على المرأة.

فالمجتمع بمكوناته عبارة عن دوائر متلاحقة حتى إن تباعدت وكَثُرت تظل متأثّرة ببعضها، وهذا العنف المجتمعي والقيمي المُمارس على الرجل سينعكس على المرأة ولكن بأشكاله المعتادة, فما نفع محاربة العنف إن كانت المعاملة الحسنة تهمة وجريمة؟

العدد 1105 - 01/5/2024