للحروب إعاقات لا تداويها تصنيفات واحتفالات

 لأنهم كسائر البشر في الحقوق التي كفلتها المواثيق الدولية، فقد خصّتهم الأمم المتحدة بيوم عالمي للتذكير الدائم بحضورهم القوي في حياة المجتمعات والحكومات. فكان الثالث من كانون الأول من كل عام يوماً عالمياً للاحتفال بإنجازات خارقة ربما يعجز عنها الإنسان الطبيعي، قام بها أولئك الذين لم تثنهم إعاقتهم الجسدية عن العطاء الإنساني بأرقى تجلياته. وكذلك للتذكير بأن هناك شرائح منهم لا تلقى ما تستحقه من اهتمام ورعاية وتقدير لإمكانيات مدفونة خلف إعاقتهم الجسدية، والنظرة القاصرة للمجتمع والحكومات إليهم.

وبما أن الحرب خراب وهلاك وإعاقة للحياة والإنسان، فإنها لا شكَّ تُخلّف وراءها أعداداً مرعبة من مدنيين وعسكريين فقدوا قسماً من أجسادهم أثناء العمليات القتالية، أو ممّن أصابتهم شظايا الصواريخ والقذائف التائهة ما بين الجبهات، فنكون بذلك أمام واقع مرير يجمع ما بين معوقي الحرب الجُدُد، وأولئك المعوقين خلقياً ما قبل الحرب، لتغدو صورة المجتمع أشدّ بؤساً وقتامةً ممّا كانت عليه حين سُنّ القانون رقم 34 تاريخ 18/7/ 2004 الذي ينظم شؤون المعوقين ورعايتهم عبر مجموعة من الخدمات التي يُفترض أن تُقدّم لهم في المجالات الصحية والتربوية والتعليمية والرياضية والتأهيلية والإعلامية والعملية، وتوفير البيئة الملائمة المؤهلة لهم، والإعفاءات على بعض احتياجاتهم، وإحداث المعاهد التي تتولى تقديم الخدمات المختلفة، وإجراء تصنيف وطني للإعاقة، ليكون أساساً لمنح بطاقة المعوق.

وبناءً على هذا القانون فقد صدر التصنيف الوطني للإعاقة رقم 992 تاريخ 17/6/2008 واليوم، بعد مُضي أكثر من عقد على هذا القانون والتصنيف، فقد صدر منذ أيام، بناءً على قرار المجلس المركزي لشؤون المعوقين بتاريخ 27/7/2017 التصنيف الوطني للإعاقة رقم 2818 تاريخ 15/11/2017  يُلغي الأول ويُحدد تصنيفات وتوصيفات تناسب الواقع الحالي ربما بدقة أكبر وأشمل.

لكن، إذا ما عُدنا للواقع اليومي في المجتمع، وإلى كل ما اتُّخذ من قرارات وإجراءات تحت مسمّيات وتوصيفات لصالح هذه الشريحة التي اتسعت خلال الحرب، نجدها جميعاً، إن لم تكن بعيدة، فهي قاصرة عن التعاطي والتعامل الجدي والحقيقي والفعّال تجاه أُناس فقدوا قدرتهم على الحياة الطبيعية، في ساحات المعارك أو المدن المنكوبة بالقذائف، مثلما كانت قاصرة تجاه من شملهم القانون 34 لعام 2004 وبهذا نكون أمام معضلة أخلاقية وإنسانية فادحة تعمل ولا شكّ على خلخلة قيم الفرد والمجتمع معاً، بحيث تطغى الأفعال المُشينة والأنا اللاواعية تجاه احتياجات معيشية وحقوق أساسية يكفلها بدايةً القانون الأخلاقي الإنساني غير المُسجّل في عدليات المجتمعات، مثلما تكفلها المواثيق الدولية لحقوق الإنسان (طبيعياً ومعوقاً).

إنّ مجرد الاحتفال بيوم عالمي واحد في العام لا يكفي ولا يداوي جراح أجساد شوّهتها الحروب، ولا يُرمم نفوساً وأرواحاً أنهكتها كرامة مهدورة من أجل الحصول على لقمة العيش فقط. هو واقع يفرض على الحكومات، مثلما يفرض على منظمات المجتمع المدني والأهلي التعاطي مع تلك الشريحة من معوقي الولادة والحرب بإنسانية واحترام واهتمام جدي وفعّال، ولو من باب ردّ الجميل لمن ضحى من أجل وطن وشعب.  

العدد 1105 - 01/5/2024