سياسة المواجهة مع إيران تدفع السعودية إلى خيارات صعبة

الزيادة في تنوع المصادر النفطية وبدائل الطاقة العالمية، وتراجع أسعار النفط إلى حد كبير خاصة في العام الماضي، أضعف اهتمام الولايات المتحدة والغرب عموماً بأزمات الشرق الأوسط، فتُركت مشتعلة، إن لم نقل إنها غذّتها كما حصل منذ بضعة أيام بين إيران والسعودية عندما قطعت هذه الأخيرة العلاقات الدبلوماسية.

إن الغرب عموماً لم يبد ذلك الحماس للوساطة أو منع حدوث ذلك. ربما يعود ذلك إلى أن المؤشر الرئيس للولايات المتحدة في تعاملها مع الأزمات في الشرق الأوسط كان في الماضي مرتبطاً بدرجة كبيرة بحماية إمدادات النفط من هذه المنطقة إلى العالم، لكن انخفاض أسعار النفط انخفاضاً دراماتيكياً وتوافر تكنولوجيات بديلة جعلها غير متحمسة كما في السابق لمواجهة مثل هذه الأزمات. وللمفارقة في حين أن اشتعال أزمات اليمن وسورية والعراق والآن السعودية وإيران، وهي بمجموعها تشكل أكبر جغرافيا مصدرة للنفط في العالم، يجب أن تؤدي إلى زيادة أسعار النفط خوفاً من نقص الإمدادات العالمية، نجد أن أسعار النفط في انخفاض مستمر. وهذا يشير إلى أن الحقيقة الأساسية في موضوع انخفاض أسعار النفط هو سياسي بالدرجة الأولى، ومتعلق بالسعودية أكبر منتج للنفط في العالم بإنتاج يقارب 10 ملايين برميل يومياً. لقد أيقنت السعودية أن الإدارة الأمريكية الحالية ماضية في تطبيق الاتفاق النووي مع إيران.

إن مضي الولايات المتحدة في الضغط على المملكة العربية السعودية بشأن الأزمة السورية عبر باب بقاء الرئيس الأسد، وتطبيق الاتفاق النووي الإيراني بشكل سريع وغيرها من القضايا الأخرى، سوف يزيد من قلق السعودية من أن الولايات المتحدة يمكن أن تجعل مع مرور الوقت من إيران حليفاً رئيسياً محتملاً لها في إدارة الشرق الأوسط في شقه العربي.

إن هذا (الخطر) بالنسبة إلى السعودية يدفعها بشكل متزايد للعمل وحدها في ملفات المنطقة، ومن شأن هذه السياسة للرياض أن تزيد المخاطر على الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين. ويبدو أن ضمان استقرار الوضع في الشرق الأوسط صعب المنال حالياً في ظل دخول الإدارة الأمريكية في السبات السياسي ماقبل الانتخابات الأمريكية. وهو ما يبدو أنه بدأ فعلاً، فقد قامت عقب حادثة إعدام الشيخ النمر مظاهرات في إيران وباكستان والعراق وعدد من الدول الأخرى، وفي اليوم التالي في 3 كانون الثاني قطعت السعودية علاقاتها مع إيران، وتبعها في ذلك كل من السودان والبحرين، ثم استدعاء للسفراء في كل من الأردن والكويت وبلدان أخرى.

لكن هذه الاندفاعة لهذه الدول مع السعودية لم تغطّ الاستهجان الدولي بما فيها الولايات المتحدة لعملية الإعدام. لأنها في الحقيقة نفذت بوحشية في اثني عشر موقعاً مختلفاً، ونُفّذ الإعدام رمياً بالرصاص وبقطع الرأس. ونقل التلفزيون السعودي بياناً عن ناطق من وزارة العدل أنه جرى الإعدام وفق القانون، وأن الأشخاص الذين أعدموا على حد تعبيره: قد تعدّوا حدود الله ورسوله، بعد أن عاثوا فساداً في الأرض. وتابع البيان بأن العقوبة المناسبة وفقاً للشرع الإسلامي كانت إقامة حد الحرابة (أي قطع العنق بالسيف). وبغض النظر عن هذه التفاصيل البشعة، فإن عمليات الإعدام قد بينت بشكل جليّ تطابق الممارسات القانونية-الدينية بين السعودية وتلك التي يقوم بها (تنظيم الدولة)!.

إن المواجهة الاقتصادية بين إيران والسعودية ستؤدي إلى استنزافهما بالنتيجة، وسوف تؤدي إلى ضرر سياسي واقتصادي لكليهما. لقد أعلنت السعودية عن عجز في الميزانية عام 2014 بلغ نحو 98 ملياراً، تبع ذلك هبوطٌ حاد في أسعار الأسهم السعودية. لكن الرياض تحاول بجهود حثيثة ردم التأثيرات النفطية على اقتصادها، وأنفقت المملكة عشرات الملايين من الدولارات إلى المصارف الاستثمارية وشركات الاستشارات الإدارية الغربية لتقديم المشورة بشأن كيفية إعادة هيكلة اقتصادها ونجحت نسبياً، فقد تمكنت في عام 2014 من رفع نسبة الأرباح غير النفطية في المملكة إلى 29%. لكن هذا في الواقع لا يعوض الخسائر الهائلة للسعودية والتي ستؤدي بها في نهاية المطاف إلى الوقوع فريسة الرأسمالية المتوحشة للشركات العابرة للقارات على حساب الشعب السعودي بالدرجة الأولى، وهو ما أعلن عنه صراحة الأمير محمد بن سلمان إلى صحيفة (الإيكونوميست): (السعودية تخطط لتبنّي برامج خصخصة قطاعات الصحة والتعليم وعدد من الشركات المملوكة للدولة).

العدد 1105 - 01/5/2024