اقتصاديات جديدة للنفط (3-3)

تعقيب وأسئلة

بداية لابد من توضيح الخصائص التي يمتاز بها إنتاج النفط والغاز الصخريين، وهي تتعلق ببيئة وجوده التي تختلف عن النفط والغاز التقليديين. يوجد النفط والغاز الصخريين ضمن مسامات دقيقة جداً في صخور غضارية / رملية ناعمة وغنية بالمواد العضوية، وتمتد تلك الصخور بمساحة أحواض ترسيبية واسعة. وبسبب النفوذية الأصلية المنخفضة جداً في صخور الشيل الحاملة للنفط أو الغاز، والتي تتراوح بين 0,0001 – 0.001 ميلي دارسي، فإن الإنتاج من هذه التوضعات يتطلب إنهاء الآبار المنتجة بتحقيق أمرين:

حفر مقطع أفقي ضمن تلك الصخور بطول يمكن أن يصل إلى ألف متر أو أكثر، وتنفيذ عملية تشقيق هيدروليكي في الجزء الأفقي بمسافات متقاربة قد تصل إلى 20 مقطعاً. نتيجة ذلك، وكما أوضحت الدراسة، فإن إنتاجية البئر تبدأ بالذروة (التي بلغت في الآبار المحفورة بالولايات المتحدة نحو 450 برميل نفط باليوم في عام 2015) ثم تنخفض بسرعة لتصل إلى الصفر خلال 4-5 أعوام من الإنتاج. وهذا يستوجب حفر عدد كبير جداً من الآبار – أكبر بكثير من الآبار التي تحفر لتطوير حقل نفطي أو غازي تقليدي. وبالتالي فإن تكاليف إنتاج النفط أو الغاز الصخري أعلى من تكاليف إنتاج النفط والغاز التقليديين، على الأقل في بداية سنوات الإنتاج. بالمقابل، فإن الإنتاج من توضعات الشيل أسرع بكثير مما يستغرقه تطوير حقول النفط والغاز التقليديين، وتكون فترة استرداد الاستثمارات بالتالي أقصر. ولا تحتاج إلى منشآت تجميع ومعالجة النفط والغاز المعقدة. وهذا ما أثار شهية العديد من شركات النفط الصغيرة في الولايات المتحدة للتوجه نحو النفط والغاز الصخريين، ووفرت لها المصارف والمؤسسات المالية الدعم اللازم.

ولكن، يبقى السؤال قائماً: هل النفط والوقود الأحفوري عموماً، غير ناضب؟

إن اكتشاف مصادر هيدروكربونية جديدة لا يعني أن تلك الثروات غير ناضبة. إن تلك الحقيقة تبقى قائمة. لكن متى يحصل ذلك، ربما بعد عشرين أو ثلاثين عاماً أو أكثر. لكنها ستنضب. إن انعكاس ذلك على النظام المالي (أي دراسة الجدوى الاقتصادية، ونظام تمويل المشاريع…إلخ) هو أنه يجب تبني نظام محاسبي يرتكز على المادة والطاقة. أي نظام يقر بمحدودية الموارد الطبيعية الأساسية وليس العودة إلى النظام المالي القديم الذي يرتكز على الاقتراض والفائدة المصرفية.

من ناحية أخرى، توقع الباحث أن يتغير نموذج تدفق الطاقة في السنوات القادمة، بحيث أن الطاقة ستتدفق بازدياد من الغرب نحو الشرق. وسيكون لذلك الأمر تأثيرات واسعة جداً في أسواق الطاقة والأسواق المالية والجيو – سياسات العالمية.

لقد سبق للرئيس الأمريكي أوباما أن تحدث في هذا الموضوع في أحد خطاباته أثناء حملته الانتخابية للرئاسة الثانية..إذ أشار إلى أن الولايات المتحدة سوف تصبح مكتفية ذاتياً بمصادر الوقود في العشرينيات القادمة، وستصبح مصدرة للنفط في الثلاثينيات من هذا القرن، ونصح دول الخليج بالتوجه شرقاً.

هل سيؤدي ذلك التطور إلى خلق أسواق نفطية عالمية جديدة: سوق أمريكا الشمالية، وربما تصدر النفط الخام إلى أوربا الغربية، وسوق الخليج – إيران – روسيا وتصدر النفط الخام إلى الشرق الأقصى (الهند والصين..) ولكل من هذين السوقين عملاته الخاصة (بترويوان، بتروروبل..) وأنظمتها في التمويل.

أما الغاز فسيكون له شأن آخر: سيستمر بتغطية حاجات أوربا الغربية من الغاز الروسي، وربما أيضاً من غاز سيأتي من شرق المتوسط – إيران والعراق.

ماذا سيكون الحال مستقبلاً في القارة الإفريقية؟ تلك القارة الغنية بمصادر النفط والغاز. وقد بلغت تقديرات احتياطي النفط المؤكدة في مطلع عام 2014 نحو 128 مليون برميل. ويتركز نحو 5,84 بالمئة من هذا الاحتياطي في أربع دول: ليبيا 48 مليار برميل (وتحتل المرتبة التاسعة بين دول العالم) ونيجيريا 37 مليار برميل (وتحتل المرتبة العاشرة) ثم أنغولا 12,7 مليار برميل والجزائر 12,2 مليار برميل. بلغ وسطي الإنتاج اليومي للدول الأفريقية في عام 2013 نحو 9,3 ملايين برميل.

أما احتياطيات الغاز الطبيعي المؤكدة فقد بلغت 16093 مليار متر مكعب، وقد احتلت نيجيريا المرتبة الرابعة عالميا في عام 2012 بتصدير الغاز السائل (27,2 مليار متر مكعب) والجزائر المرتبة السابعة بتصدير الغاز السائل وكذلك الغاز الطبيعي (15,3 مليار متر مكعب غاز سائل و34,8 مليار متر مكعب غاز طبيعي). مقابل ذلك، فإن معدلات استهلاك النفط والغاز في إفريقيا هو أدنى المعدلات في العالم:

بلغ معدل استهلاك الفرد من النفط 1,39 برميل سنوياً (مقارنة بوسطي الاستهلاك في العالم 4,67 برميل للفرد) ومعدل استهلاك الفرد من الغاز 113 متراً مكعباً سنوياً (مقارنة بوسطي الاستهلاك في العالم 480 متراً مكعباً للفرد) لاشك أن حاجة الدول الأفريقية هي أولاً تحقيق أوضاع سياسية آمنة ومستقرة وأنظمة تراعي مصلحة شعوبها، بعيدة عن الفساد والفوضى المستشرية في بعض دولها. حينئذ ستنهض الدول الأفريقية لبناء اقتصاديات تحقق التنمية في مجتمعاتها، وهذا سيزيد استهلاكها لمصادر الطاقة الوفيرة لديها بدلاً من تصديرها إلى الأسواق الخارجية. وربما يؤدي ذلك إلى تشكيل سوق نفط وغاز جديدة في العالم.

من جهة أخرى، فإننا نتساءل ماذا كانت الأسباب وراء ارتفاع أسعار النفط الخام بداية في عام ،2004 والذي ترافق مع انطلاقة (ثورة الشيل الأمريكي)، واستمراره في الصعود ليصل إلى حدود غير مسبوقة في أواسط عام ،2008 حين بلغ نحو 165 دولاراً للبرميل. لم يكن هذا الارتفاع لا هزة ولا صدمة في السوق النفطية! ما هي أسباب ذلك الارتفاع؟ ثم ما هي أسباب الانهيار في الأسعار بعد ذلك، بداية بانهيار الأسواق المالية والمصارف في الولايات المتحدة، ثم استمرار هبوط الأسعار في السوق النفطية حتى الآن؟

ولابد أخيراً من الإشارة إلى التقدم الحاصل في مجال تطوير الطاقات المتجددة: فقد ذكر في تقرير  قدم في مؤتمر المناخ العالمي الذي عٌقد في باريس بداية شهر كانون الأول ،2015 أن تقنيات الطاقة المتجددة ستضيف ما يعادل 6,2 ملايين برميل نفط مكافئ يومياً، أي أكثر مما تنتجه آبار النفط الأمريكي منذ عام 2010 (5,7 ملايين برميل يومياً). وقالت المجموعة إن أكبر تغير سيحدث في العقد القادم مع تزايد الطلب على الطاقات المتجددة، وإن طاقة الرياح والطاقة الشمسية في طريقها للوصول إلى 100 جيغاواط في المنشآت الجديدة لأول مرة، وسوف توفر مليار طن من انبعاثات غاز ثاني أكسيد الفحم سنوياً، وأن القيمة السوقية لتقنيات الكربون المنخفض الأربعة الأولى تساوي الآن أكثر من 100 مليار دولار سنوياً.

العدد 1105 - 01/5/2024