أحلاهما مرّ

الزواج مؤسسة فاشلة واستبدادية مقيتة وسجن لطموحات الفرد وأحلامه… يقول الكثيرون ممّن ذاقوا لوعة المشاكل الزوجية.

الزواج ضرورة حياتية لا بدّ منها، وهو الخلية الأساس في المجتمع، ومن دونه لا تستوي الحياة البشرية. يقول معظم الناس على اختلاف أديانهم ومعتقداتهم.

بين هؤلاء وأولئك يذهب الباحثون عن الأسباب إلى البحث في أساس المؤسسة: اختيار الشريك.

معظم الزيجات في المجتمعات المغلقة والمحافظة تأتي عن طريق ما يسمى بالخطوبة التقليدية، إذ يختار الأهل عروساً لابنهم المقبل على الزواج عن طريق (خطّابة)، نعم، ما زالت مهنة الخطابة دارجة في كثير من البيئات السورية المحافظة،
أو عن طريق الأقارب والمعارف، ولا يتمكّن العريس من رؤية زوجة المستقبل وشريكة العمر إلاّ يوم الخطبة وبحضور الأهل،
وفي كثير من الحالات لا يمكنه رؤيتها مطلقاً إلاّ في ليلة الدخلة حين يطلق خيوله في سهوب أنوثتها من الرؤية الأولى لها، ويثبت فحولته للأهل والعشيرة.

الخطوبة التقليدية كارثية بهذا المعنى، وتعطي نتائج نفسية واجتماعية تبقى مرافقة للعلاقة الزوجية وتنعكس حتى على الأولاد.

لكن ثمة هنا استثناءات تؤكد القاعدة، ثمة زيجات تقليدية جاءت عن طريق الأهل و(نجحت) في إيجاد أسرة متحابة متراصة موحدة خلف جلالة الأب (العريس سابقاً)، ويعود سر هذه الوحدة الصوانية طبعاً إلى تربية المرأة على الطاعة المطلقة لزوجها،
وعدم مناقشته في أي أمر، وأن يكون ردها الوحيد لازمة مسلسلات باب الحارة: (أمرك ابن عمي!).

ثم تقوم هذه الأسرة بتربية بناتها على المقولة ذاتها، وهكذا دواليك.

هكذا تصبح الخطبة التقليدية مفرخة لأسرة مستقرة (سعيدة)- حسب المفهوم الشائع للسعادة والاستقرار، حيث الهدوء الكاذب الذي لن تأتي بعده العاصفة طبعاً.

في الجهة الأخرى تقف تجربة الخطبة القائمة على علاقة حب أو تعارف على الأقل، والزواج الذي يأتي بعدها، بسلبياتها وايجابياتها التي سنحاول إيرادها باختصار.

لا بدّ من الإشارة بداية إلى أن أجمل مراحل الحياة بين الشريكين هي فترة الحب، أو الخطوبة إن لم يكن هناك تواصل سوى بعد الخطبة، إذ يحاول كل طرف تقديم أجمل ما لديه، وإخفاء العيوب والنواقص والطباع السيئة، وهو بداية خزان الذكريات الجميلة التي لا تُنسى، وربما تلعب دوراً سلبياً في المرحلة اللاحقة (الزواج) عندما تقارن الزوجة بين (الرجل الحالي) الذي هو زوجها و(الرجل السابق) الذي كان الحبيب أو الخطيب، وتكون صدمة التغيير الذي لا بدّ منه، فلا يمكن لأيّ منهما أن يبقى في سماوات الحب، إذ ينزل إلى أرض الحياة الزوجية ويعيش تفاصيل الحياة ومستلزماتها المتعبة والمملة.

لكن تبقى الخطبة التي تأتي بعد تعارف وحب وخطبة طويلة هي الأقرب إلى منطق الحياة والعلاقات الاجتماعية السوية رغم كل صدماتها ومثالبها التي هي مثالب وسلبيات المؤسسة الزوجية ولا تفارقها.

العدد 1107 - 22/5/2024