التقارب السعودي ــ التركي إلى أين؟

 قام الرئيس التركي أردوغان مؤخراً بزيارة للسعودية استغرقت يومين التقى خلالها الملك السعودي سلمان، وهي الزيارة الثالثة من نوعها للمملكة خلال العام الماضي 2015!

في هذه الزيارة، أعلن الطرفان عن قيام (مجلس تعاون استراتيجي) بهدف توسيع التعاون العسكري والاقتصادي والاستثماري بينهما، حسبما صرح وزير خارجية العائلة السعودية (عادل الجبير)، وتشكل هذه الزيارة الجديدة مؤشراً على تصاعد وتيرة التعاون والتنسيق بين البلدين في الملفات الإقليمية وخاصة الملف السوري منها.

وكانت العلاقات الثنائية التركية- السعودية قد تدهورت في عامي 2013 و2014 بعد تنديد الملك السعودي السابق عبد الله بن عبد العزيز بمساعدة أردوغان لجماعة الإخوان المسلمين في مصر، ولكن بعد وصول الملك سلمان إلى العرش السعودي في مطلع عام ،2015 بدَّل من أولويات مملكته بالعمل على تشكيل (تحالف سنّي كبير) يضم تركيا لمواجهة إيران.

جدير بالذكر أن الدولة العثمانية سيطرت على الحجاز لمدة أربعة قرون، وأطلق على السلطان العثماني لقب (خادم الحرمين الشريفين) بهدف إضعاف الشرعية على دولته أو سلطته، إلى أن عاد الملك السعودي فهد إلى استخدام هذا اللقب، ومن بعده بقي ملوك السعودية يستخدمونه حتى الآن، وتمّرد السعوديون على الأتراك من نهاية القرن الثامن عشر وفي عام ،1929 اعترفت تركيا بسيطرة آل سعود على نجد والحجاز.

وبالرغم من انضواء البلدين تحت مظلة التحالف العربي، إلا أن العلاقات الثنائية بينهما لم تتطور كثيراً بسبب اختلاف نظام الحكم وتركيبته والقيم السياسية في كلا البلدين، العلمانية الأتاتوركية في تركيا، والملكية المطلقة في السعودية ورواسب الماضي العالقة بين الطرفين.

في ظل حكم (تورغوت أوزال) تبدّل الأمر قليلاً، فقد توجهت تركيا أكثر نحو الشرق الأوسط اقتصادياً، لتأمين وارداتها من النفط والإفادة من مزايا اقتصادية خاصة تملكها أنقرة، ما فتح الطريق أمام شركات الإعمار التركية للعمل في المملكة وأسواقها الواعدة.

وتغيرت العلاقات أكثر بعد وصول (حزب العدالة والتنمية) إلى السلطة في تركيا عام 2002 بسبب التوجه الإسلامي لهذا الحزب وتخفيفه من الطابع العلماني- العسكري لنظام الحكم في تركيا، ومنذ عام 2004 اتبعت السعودية سياسة حيال تركيا قائمة على قاعدة التعاطي بفعالية مع التوجه التركي الجديد والاستفادة من (ثقل تركيا السني) في مواجهة غريمتها (إيران)، بالمقابل رأت تركيا في السعودية شريكاً تجارياً مربحاً كأساس للعلاقات الثنائية، مع توسيعها سياسياً، لتمتين ذلك الأساس الاقتصادي المربح.

وبناء على ذلك، تأسس (مجلس الأعمال التركي- السعودي) عام 2003 وصندوق الاستثمار التركي- السعودي عام 2005.

ولكن بشكل عام، استفادت تركيا اقتصادياً بشكل يفوق المزايا السياسية التي حققتها السعودية من علاقاتها مع تركيا، في ضوء أن أنقرة ظلت حريصة على علاقتها مع جارتها إيران لاعتبارات تجارية واستراتيجية.

عندما اندلع ما يسمى بالربيع العربي، ابتعدت تركيا قليلاً عن السعودية بانحيازها إلى جماعة الإخوان المسلمين التي بدت حصاناً رباحاً في موجاته الأولى في تونس ومصر وليبيا، ومع بروز شبه تحالف بين أنقرة وجماعة الإخوان المسلمين، أقلق هذا التحالف السعودية، كونه قد يهمش دورها الإقليمي، ولهذا حصل افتراق في العلاقات بين الرياض وأنقرة، حين ندّد الملك الراحل عبد الله بدعم أردوغان للجماعة وانحيازه الواضح للحكم المصري الجديد عام 2013 (حكم الرئيس المخلوع مرسي) ولكن الأمر عاد للتبدّل بعد انتقال السلطة في السعودية إلى الملك سلمان الذي ركّز في توجهاته على مواجهة إيران، كذلك دفع التدخل السعودي في سورية الملك سلمان إلى جعل تركيا من جديد شريكاً مرغوباً للسعودية، للاستفادة من إطلالتها الجغرافية على كل من سورية والعراق.

وتسارعت وتيرة تقارب الطرفين التركي والسعودي لتقاطع أهدافهما في الملفين السوري والعراقي، ولاسيما أن أردوغان يعاني من عزلة إقليمية متزايدة بعد فشل رهاناته على (الربيع العربي) وبعد تدهور علاقاته مع روسيا على إثر إسقاط تركيا للطائرة الروسية داخـل الأراضي السورية.

إضافة إلى أن أردوغان يحتاج إلى تغطية لاعتداءاته على الأكراد، ولم تغب عن أنقرة حسابات دور الإيداعات المالية السعودية في المصارف التركية في كبح تراجع العملة الوطنية التركية أمام العملات الأجنبية، علاوة على ذلك، يحتاج الاقتصاد التركي إلى تأمين حصته في الأسواق السعودية والخليجية الواعدة، وهو ما يسهله تقاربه مع الرياض.

وفي هذا الصدد، تراهن السعودية على تليين مواقف أنقرة والقاهرة لإحداث تقارب بينهما، بعد العداء الذي أظهره أردوغان ضد مصر في عهد الرئيس السيسي، وذلك من أجل خلق تناقض رئيسي في المنطقة يقوم على معادلة ما يسمى (الخطر الإيراني) المزعوم على دول المنطقة، الأمر الذي يريح الأسرة السعودية إلى حد كبير وتدرك السعودية في الوقت نفسه وكمها يتصور ساستها أن تكرار استفادة أردوغان اقتصادياً أكثر مما حققته الرياض سياسياً غير مرجح الحدوث مرةً أخرى، بسبب الديناميكيات الإقليمية والضيق النسبي لهامش المناورة الأردوغانية على محور السعودية- إيران حالياً بالمقارنة مع الفترة الماضية.

باختصار، يمكن القول إنه بالرغم من التباين بين نمطي نظام الحكم في الرياض وأنقرة، والتنافس التاريخي بين الطرفين على قيادة العالم الإسلامي، يبدو واضحاً أن الإيقاع الإقليمي سيتحكم في العلاقات التركية- السعودية صعوداً وهبوطاً في المدى المنظور، كما يتوقع العديد من المحللين السياسيين- بمعنى آخر، سيكون الاعتبار الإقليمي أساساً للتقارب السعودي- التركي الراهن، طبعاً من دون تنحية الحوافز الاقتصادية التي تراهن عليها تركيا على أرضية تمتين علاقاتها مع السعودية ودول الخليج الأخرى، وسيكون (الترمومتر) الذي يقيس حرارة العلاقة بين الرياض وأنقرة هو الساحة السورية.

 

العدد 1107 - 22/5/2024