محبس من اختيار الوالدة

عادة قديمة جديدة، هي الخطوبة عن طريق الأهل وبشكلها التقليدي،  إذ تبدأ غالباً بواسطة الأصدقاء والجيران والمصالح المشتركة،  تُقدم والدة العريس على خطوبة فتاة من وجهة نظرها أنها الزوجة المناسبة لابنها،
  فهي جميلة وصغيرة ومن عائلة معروفة والدها صاحب كذا ووالدتها من سيدات المجتمع،  أو لأنها من الأقارب المقربين جداً، تصبر على كل شيء وتتحمل المسؤولية سواء في السكن مع العائلة والتأقلم السريع، فهم من الأصول نفسها والعادات والتقاليد ذاتها،
  متجاهلين تماماً المشاعر التي يكنُّها كلا العروسين أحدهما للآخر، وما قد ينجم من خلافات لاحقاً بينهما،  وخاصة إذا تكللت الخطوبة بالزواج وإنجاب الأطفال.

هنا، لابدّ أن يحدث في كثير من الأحيان الانفصال، وهذا طبيعي، لأن الخطوبة لم تتحقق برضا العروسين، بل كانت بقرار من الأسرة وبمشورة كل فرد من أفردها، وكأن الطرفين الأساسيين في هذه العلاقة مغيَّبان عن قرارهما المصيري تماماً، وبالتالي كثيراً ما يتجاهل الأهل أن زمنهم مختلف تماماً عن زمن أبنائهم،
ولم تعد الحياة الآن وأمام هذا الضخ الإعلامي والعولمة والاختلاط التلقائي في المدارس والمعاهد والجامعات شبيهة بحياتهم السابقة المحصورة بحيطان المنزل وأزقة الحارة.
كما أن القرار باختيار الشريك سواء من الفتاة أو الشّاب بات أوسع،  وبالتالي أضحى الاختيار شخصياً لا علاقة للأهل به،  فالشّاب والفتاة هما على تواصل مباشر واحتكاك دائم في العمل، في الجامعة، وحتى في الحارة خاصة مع وجود وسائل التواصل الاجتماعي والجوال، إذ لم يعد هناك حواجز أمام التحدث معاً  لساعات طويلة ومعرفة كلٍّ منهما تفاصيل كثيرة عن الآخر،
  ومن الطبيعي هنا أن يكون اختيار الشريك بقرار فردي يتخذه كل من العروسين بمفردهما، من مبدأ أنها حياتهما الشخصية وهما من سيعيشها تحت سقف واحد بحلوها ومرها بعيداً عن الأهل، فلم يعد زمننا هذا زمن كسر الجوز لمعرفة متانة الأسنان، ولا مسح الأريكة براحة اليد لمعرفة نظافة الأهل، ولا حتى شد الشعر لمعرفة إن كان طبيعياً،
إنه زمن الصداقة والاحتكاك في العمل وسواه،  ومن الطبيعي أن يتخذ قرار الخطوبة والزواج بعيداً عن الأسرة.
ولكن هذا لا يعني تجاهل الأسرة بالمطلق، فما يراه الوالدان من تفاصيل عن خبرة طويلة لا يراه الأبناء، فلابدّ من مشورة الأهل والأخذ بوجهة نظرهم ببعض الأمور، لأن خبرتهم بالحياة أكسبتهم رؤية واضحة، وخاصة إذا كانت تلك الرؤية موجهة لسعادة أبنائهم.

 

العدد 1107 - 22/5/2024