التَّوافق في الآراء حلٌّ عمليٌ نتائجه لصالح الجميع

يُعدُّ الزَّواج أحد أهم القرارات المصيرية في حياة الإنسان ذكراً كان أم أنثى، ومع أنه قضية شخصية بحتة تخصُّ صاحب العلاقة المباشر، إلاّ أنه بالمقابل يحتمل آراء الدائرة الأولى من المحيطين أي العائلة الأساسية،
فرغبات الشَّاب والفتاة المقبلين على اتخاذ هذه الخطوة وآرائهما على قدرٍ كبيرٍ من الأهمية تتساوى مع ضرورة إبداء رأي الأهل ووجهة نظرهم، بحكم التَّجربة والخبرة الحياتية الأكبر.

فالزَّواج التَّقليدي يغيِّب وبشكلٍ كبيرٍ رأي أهم طرف فيه لا سيما الفتاة، بل يفرض عليها أموراً مختلفة، وما عليها سوى الخنوع والرُّضوخ لما يقوله الأهل فقط من مبدأ أنهم يعرفون مصلحتها أكثر منها، فهي لا تمتلك الحق في إبداء الرأي أو الاعتراض،
وإن حدث أن أعلنت موقفها يزداد الأهل إصراراً على موقفهم، فتدخل حياتها الجديدة بمشاكل نفسية كانت بغنى عنها، ما سيجعلها أقل قدرةً على إحياء هذه الحياة ومنحها ما تحتاجه وتتطلَّبه.

 كما أن الزَّواج القائم على تغييب رأي الأهل بالكامل يبدأ بناؤه على ركائز ضعيفة أهمها الابتعاد عن الأهل أي العائلة الأكبر، والوقوف في وجه الحياة ومصاعبها دون سندٍ أو دعمٍ،
ثم الدُّخول في محاولات استرضاء من غُيِّبوا سابقاً لأن الإنسان غير قادرٍ على العيش وحيداً دونما أهل أو عائلة، فيكون هذا الزَّواج محمَّلاً ومن أول مسيرته بالعديد من المصاعب والمشاكل التي هو بغنى عنها أيضاً.

إذاً…
خير الأمور أوسطها، لا تعنّت من قبل الأهل وحدهم وتغييب المعني الأول في الموضوع، ولا العكس بأن نتَّخذ قراراً مصيرياً وحدنا دون الرُّجوع إلى أصحاب الخبرة الحياتية،
وعلى هذا فإن الارتباط القائم على التَّوافق في وجهتي النَّظر يبتعد ويختلف جذرياً عن الارتباط التَّقليدي القائم على رأي الأهل دون الأخذ بعين الاعتبار رأي المعنيين بالموضوع، كما يختلف عن الارتباط النَّاشئ عن رأي الشَّريكين وحدهما دون مشاركتهما للآخرين…
إنه نمط أكثر وعياً في العلاقة بين الأهل وابنهم/ ابنتهم، يؤدِّي إلى بناء أسرٍ أكثر متانةً في مجتمعٍ يعاني الكثير من التَّشرذم والتَّفكك، بينما الشَّكلان الآخران من العلاقة بين الأهل والابن/ة يؤدِّيان حتماً إلى نتائج غير مرضية للجميع نحصدها يومياً،
وهو حلٌّ عمليّ قابلٌ للتَّطبيق وبجدارة، إلاّ أنه يعتمد وبالدَّرجة الأولى على بناء أسس قوية ومتينة في العلاقة بين الأهل والأبناء من خلال التَّربية الواعية والمدركة حقّاً لمبدأ الاختلاف بين الأجيال.

 

العدد 1107 - 22/5/2024