لن تدق أبوابنا إن لم ننادٍها

نواتج التفاعلات الكيميائية تنبثق عن تفاعل العناصر ضمن معادلة معينة، إذ تُبنى تبعاَ للدراسات والتجربة للوصول إلى المطلوب. وكذلك السعادة برأيي هي ناتجة عن تفاعل، لكنه لا كيميائي ولا فيزيائي، هو من أكثر التفاعلات تعقيداَ من حيث المكونات والظروف وأبسطها كذلك.. فكيف يكون هذا؟

السعادة مفاتيحها كثيرة، وكل شخص يراها من منظوره الخاص وبلون يليق بحياته إما مالاً أو مناصب، وقد يكون جمالاً يفتن عين الناظر مصدر سعادة وقبول الحياة.

أنا عن نفسي شخص مدمن على البحث عن السعادة والراحة، ولو كان ذلك بسماع مقطوعة موسيقية لمدة ثلاث دقائق، فقصة أن أحمل سيفي وأشنُّ حرباً على الحياة، بغضب حارق ونظرة متشائمة بحثاَ عن ظروف تليق بتأسيس مملكة خاصة، فذلك أمر لا يعنيني ولا يمثل قناعاتي، لأن التشعبات في العلاقات والعمل وتفاصيل أخرى تضيق الخناق على الابتسامة. ولا يعني عدم تكلفي في طلب مكونات معادلتي في السعادة أنني أرضى بالقشور.. الفكرة تكون في جمع معطيات الوقت، الحالة، المكان، إضافة إلى الرضا بما هو متاح والسعي ضمن هذه الشروط للوصول إلى نتائج أفضل.

سعادتي كما قلت قد تكون مقطوعة موسيقية أو بيت شعر يرسم العيون هي جرعات مسكنة، ولكن الدواء الحقيقي وبصراحة هو تحقيق خطوات ملموسة في بناء شخص أتمنى أن أكونه يوماَ ما، فالإنجاز والتحصيل الفكري والقيمة الاجتماعية، إضافة إلى التقييم الذاتي تُشكل الخلطة الشخصية للراحة والرضا والسعادة.

ورغم كل ما يحيط بأحلامي من أشباح الواقع الدامي الذي نعيشه، لم ولن تتغير جرعة التفاؤل والرضا حين تصير السعادة وهج قلبي، هذا من جهتي. لكن لو رحنا نفتش عن مصدر سعادة المواطن السوري اليوم لكان الأمر معضلة حقيقية ربما، فالأسباب صارت متعددة لسعادة شخصية قد تصير مؤقتة إن لم تتوفر البيئة الخارجية التي تساعد هذه الخلايا الجميلة على بث عبق الراحة والهدوء وكل الجزئيات الموصلة للسعادة.

اليوم أصبحت الفكرة العامة عن السعادة مختلفة تماماَ، لم تعد تقف برأيي عند المال والعلم فقط، فظروف الحرب فرضت نمطيات معينة وقوالب أطّرت الأرواح.

فالجندي سعادته الجزئية إجازة، وبانتهاء الحرب والخدمة الإلزامية تتحقق أقصى شروط سعادته ليس عنده بل للغالبية من شعب تأكله الهموم.

كذلك من فقده منزله وحياته أيُّ سعادة ستكون إلاّ بالعودة لما كان عليه؟

تتسلل إلى خاطري في أي نقطة أناقشها عن الواقع حدود خارطة الألم اللانهائي على وجه أم شهيد، هذا القلب البائس.. فأيُّ سعادة ستعيد لقلبها نبضه؟!

والقضية ليس تعداد الحالات، والحديث عن المخرج الفكرة بطرح الأمثلة وفهم الفرق الذي صار يراود سعادة هذا الشعب، لكن الغالبية يحتاج إلى إجازة أبدية من متاعب الحرب، وهنا نكسب نصف الدعوة.. فالسعادة نحن من نصنعها ولن تدق أبوابنا وحدها إن لم ننادِها.

العدد 1107 - 22/5/2024