محطة حاويات اللاذقية… ومسائل أخرى

ما من بلد في العالم إلا ويطمح أبناؤه المخلصون أن يكون بلداً قوياً مزدهراً في كل شيء.. في زراعاته وفي صناعاته وفي خدماته وفي مستوى معيشة أفراده.

وتسعى حكومته بكل ما أوتيت من فهم سياسي ودبلوماسي وتجارب لتحقيق الرفاه لشعبها والارتقاء به إلى مصاف الشعوب المتحضرة.. ولكن عولمة العصر قد بهرت على ما يبدو أبصار المترفين الجدد وعقولهم، فانجرف ذوو المصالح في مجراها، وطوعوا من أجل نشرها ما كان عصياً. ويبقى السؤال الكبير دائماً على ألسن الجماهير الشعبية: إلى أين نحن ذاهبون؟

والمادة الرابعة عشرة من دستور البلاد عدّت الثروات الطبيعية والمرافق العامة والمنشآت والمؤسسات التي تقيمها الدولة وتتولى استثمارها والإشراف على إدارتها ملكاً للشعب.. ولكن فريقنا الاقتصادي السابق كان يرى غير ذلك، وقفز فوق كل المبادئ والثوابت، وكان يصرّ على مسح كل الإنجازات التي تحققت وتحويل قطاعنا العام إلى منشآت خاصة بيد شركات أجنبية وعربية، بذريعة الإصلاح المزعوم. ولكن هذا زاد من ظواهر الفساد والتخلي عن القيم، ولا يصبّ إلا في مصلحة المتربصين بالوطن والمتآمرين عليه. ونحن لا يسعنا إلا أن نكون في صف الرافضين لهذا التوجه الذي يزيد من معاناة  شعبنا ومن فقره، وهذا ما حصل عندما خُصصت شركة التوكيلات الملاحية ومرفأ طرطرس، وبعده مرفأ اللاذقية. وبالنظر لأهمية هذا المرفأ، أدرج مشروع خصخصته في برنامج الأمم المتحدة للتنمية والتطوير.

إن الحكومة السابقة كانت تبرر لجوءها هذا إلى مشاركة الرأسمال الخاص والأجنبي بضرورة تحديث محطة الحاويات في مرفأ اللاذقية وتطويرها، في الوقت الذي يؤكد فيه التنظيم النقابي أن المحطة المذكورة شهدت تطويراً كبيراً في أدائها، إذ بلغت إيراداتها مليارين و357 مليوناً في عام 2007.

وبلغ عدد الحاويات المنفذة 262,533 حاوية، وقد استوردت المحطة آليات وروافع للمرفأ بمبلغ إجمالي بلغ أكثر من مليارَي ليرة سورية، لرفع مستوى أدائها سددته من أرباحها، وهي تخطط بعد تشغيل تلك الآليات إلى رفع عدد الحاويات إلى 800 ألف حاوية. فما الذي سيضعه المستثمر الأجنبي لتطوير هذه المحطة أو إدارتها ولا تستطيع إدارتها الحالية القيام به؟

وإذا كان التطوير هو الهدف كما يعلن برنامج الأمم المتحدة للتنمية والتطوير، فلماذا لا يقيم هؤلاء المستثمرون مصانع ومشاريع جديدة خاصة في الميدانين الزراعي والصناعي اللذين تحتاجهما البلاد؟

لماذا الإصرار على تدمير قاعدتنا الاقتصادية والتنازل عنها لهؤلاء المستثمرين، والدفع بمواطنينا وجماهيرنا الشعبية إلى حافة الانفجار نتيجة البطالة والفقر وقلة الأجور وارتفاع الأسعار، بسبب هذه الاستثمارات والاتفاقيات الجائرة التي لا تخدم إلا المصالح الفردية ولا تكرس إلا الفساد العام؟ لما كان سيجري في قطاعات الكهرباء والاتصالات ومرافق أخرى؟

والسؤال الذي يُطرح هنا: لماذا لا تشغّل الحكومة الخط الثالث الخليوي الذي يمكن أن يرفد الخزينة بأموال كبيرة تساعد في زيادة الإنفاق الاستثماري على مشاريع حيوية في الوطن؟

ونحن انطلاقاً من حرصنا على القطاع العام ودوره وضرورة تطويره وتمكينه من العمل بكفاءة اقتصادية والحفاظ على وظائفه الاجتماعية والوطنية وتفعيل دوره، نرى ضرورة إلغاء هذا العقد المجحف، لعدم مراعاة النواعي الاجتماعية ولانعكاساتها السلبية على عمال ساحات المرفأ من جهة، ومن جهة أخرى عدم مراعاة النواحي التي تمس أمن الوطن من خلال المواد المستوردة التي تخلّ ضمناً بالأمن القومي للوطن، ومن جهةثالثة الشروط المجحفة للعقد المبرم مع شركة مرفأ اللاذقية. وهذا أدى إلى معارضة شديدة لهذ العقد من قبل نقابة عمال محافظة اللاذقية وفرع الحزب وفرع الجبهة، ومن خلال الوقائع والإشكالات التي وقعت بها إدارة الشركة والانعكاسات السلبية على حقوق العمال وعدم التزام شركة الحاويات بموجب العقد المذكور، لا من حيث الخطوط الإضافية، ولا من حيث عدد الحاويات، وكل ذلك قبل الأزمة الحالية، فكان عدد الحاويات في عام 2008 هو 585,،574 وفي عام 2009 تعهدت الشركة ب700 ألف حاوية، نفذت منها 919,،588 وفي عام 2010 تعهدت الشركة ب840 ألف حاوية، نفذت منها 266,542 حاوية فقط.

إن هذه الأرقام تشير إلى أن جميع المبررات التي قيلت لتبرير مثل هذا العقد المجحف، لم تكن صحيحة، مما يستوجب فسخ هذا العقد وإعادة الحقوق المهدورة إلى شركة المرفأ »الوطنية«، كما أننا لابد أن نشير إلى أن شركة المرفأ عندما كانت تدير ساحة الحاويات لم تُغرّم بسبب أي تأخير بالتفريغ لأي ناقلة، علماً أنه جرى إلغاء عقدين مماثلين لكل من معملي حديد حماة وشركة طرطوس لصناعة الأسمنت، وحرصاً على القطاع العام وحمايته وإبعاد الشركات الأجنبية عن المرافق الحيوية والاستراتيجية، لما لها من أهمية اقتصادية واجتماعية ووطنية، والأهم من ذلك الحفاظ على القطاع العام الذي هو جزء أساسي من التعددية الاقتصادية التي يحاول البعض إلغاءها تحت عناوين مختلفة.. تارة بالمشاركة أو التأجير واعتماد اقتصاد السوق الحر، وإعادة النظر بالنهج الاقتصادي السابق لما سببه من كوارث وأخطار، لا على الاقتصاد الوطني فقط، بل أيضاً على أمنه واستقراره، وهذا لا يعني أبداً عدم الاستفادة ومشاركة القطاع الخاص المنتج في عملية التنمية وبناء الوطن.

العدد 1107 - 22/5/2024