سعادة السوريين تتبرعم في خلاصهم

 السعادة، وفق المفهوم الفلسفي لها، نسبيّة تختلف من شخص إلى آخر، ومن شعب إلى آخر، ويمكننا القول إنها تختلف أيضاً من زمنٍ إلى آخر، بمعنى ما قد يمثّل سعادة لنا اليوم، يُصبح غير هذا في الغد.

والسعادة في عمق معناها، شعور داخلي تعبق به النفس، فيمنحنا الراحة والفرح والاستقرار والإصرار على مواصلة الحياة مهما بلغت قسوتها أو صعوبتها، فحين نزيل بعض عراقيلها أو شظفها تغمرنا سكينة وسعادة تدفعنا للمزيد من التقدّم في طرقات الحياة رغم وعورتها وتعرجاتها.

ولا غرابة أن يُعتبر يوم 20/3 من كل عام يوماً للسعادة، فمع تباشير الربيع الأولى تبدو الطبيعة باخضرارها وتفتّح أكمام الزهور فيها أنشودة فرح تنساب موسيقاها عميقاً في النفوس، فتهبها الأمل مجدداً بدورة جديدة للأرض والإنسان والحياة برمّتها. لذا نجد أن مختلف الشعوب تُعبر عن سعادتها تلك بأعياد واحتفاليات تُنظمها سنوياً، وهذا ما يؤكّد لنا أن كل شعوب الأرض تكون سعيدة بربيع الطبيعة الذي يعيد إليها نسغ الحياة بعد شتاء بارد وقاس.

والسوريون عموماً لم يشذّوا يوماً عن هذه القاعدة، باستثناء سنوات سبع عجاف عاثت فيها الحرب خراباً وموتاً وتدميراً لحياتهم وأفراحهم، فأحالت كل أيامهم إلى حزن مقيم ووجع أليم وقهر مستديم، وبدل الربيع أقام الشتاء بينهم طوال تلك السنوات، وحتى اليوم لا يعرفون متى سينتهي من حياتهم هذا الشقاء الذي امتشق سيفه دون أن يفكّر كيف سيعيده إلى غمده يوماً.

السوريون اليوم يستجدون من الحياة أماناً سلبتهم إياه الحرب، وكرامة تليق بصبرهم وصمودهم، فلا يموت أطفالهم جوعاً أو مرضاً لأن حيتان السوق وتُجّار الحرب سرقوا قوتهم ونهبوا دواءهم فتُركوا لمصيرهم عراة إلاّ من تشبثهم بسوريتهم وإنسانيتهم التي يعتبرونها مصدر سعادتهم والتي ينشدونها، ولن يصلوا إليها إلاّ بخلاصهم من طغيان تلك الحرب وتُجارها وساستها وكل من له مطمع أو مأرب في تدمير سورية وشعبها.

العدد 1105 - 01/5/2024