تشكيل المجلس الأعلى للاستثمار.. زيادة مسؤولين وتشتيت للقرار

 الاستثمارات بمثابة الدم الذي يعطي الحياة للكائن الحي، وهي نبع الحياة لأي دولة، فهي النهر الجاري الحامل معه كل متطلبات الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية، والتعامل معها ينطوي وفق أولويات من حيث النوع حسب الحاجة الملحة ووفق طريقة التمويل، إن كان حكومياً أو خاصاً أو مشتركاً.. وفي حال عدم توفر المال المحلي، تكون الأولوية لأموال المغتربين أو لأموال خارجية لا ينجم عنها مخاطر أمنية أو تصبح قوة ضغط لفرض رؤى سياسية أو مدخل لتهشيم البنى الداخلية.

 قبل الأزمة الكارثية عملت الحكومة على تأمين أغلب ما تحتاجه الاستثمارات من بنى تحتية، فبُنيت ثلاث مدن صناعية ذات بنى مناسبة ومصارف خاصة وعامة، وتُركت حرية لتداول العملات وأصدرت بعض التشريعات، ورغم ذلك استمرت الذهنيات الفاسدة في عرقلة ما يكون ضد مصالح بعض المتنفذين، سواء لأن الاستثمار قد يضرب صفقات استيراد، كما حصل مع فكرة إنشاء معمل للباصات لشركة من بيلاروسيا في فترة استيراد دفعات من الصين، وغيرها من الاستثمارات التي عُرقلت لأسباب صغيرة تتعلق بالرسوم الجمركية أو بعدم وجود ضمانة لمحاكمة أو محاسبة بعض الشخصيات، ففي الأدوات الإدارية شخصيات ذات ذهنية محدودة الأفق لا تسمح ولا تتقبل أي فكرة ذات علاقة بالمرونة المطلوبة في التعاطي إدارياً مع الرأسمال، وهذه الذهنية هي الرديف الأكثر تعبيراً عن مصطلح البيروقراطية الذي مللنا من تكراره والإشارة إليه.

وبالتالي في ظروفنا هذه بعد 6 سنوات من الحرب المدمرة التي استُهدفت فيها البنى الاقتصادية القوية ورُكّز على النيل منها وتهديمها، أصبحت الحاجة لجذب الاستثمارات ضرورة للعودة القوية، وهذا يتطلب تخطيطاً صحيحاً وفق أولويات بالحاجات الأساسية وكيفية وضع القوانين لجذبها وفق إغراءات مالية كتخفيض أو عفو من الضرائب والرسوم وتسهيلات أخرى، وكذلك وفق جداول أفضلية تنازلية من الاستثمار الحكومي، إلى المشترك، إلى الخاص المحلي، إلى المغتربين، ثم إلى الدول التي لا تحمل مشاريع استعمارية أو تخريبية.

فإن توفرت هذه الذهنية وفق نوايا صادقة وإرادة حقيقية تبقى الأمور الأخرى تفاصيل، فلم تكن المشكلة في الهيئة العامة للاستثمار، وإنما في عدم توفر النية، وبالتالي فإن تشكيل المجلس الأعلى لا يزيد شيئاً إن لم تتوفر النوايا سوى نفقات جديدة على عاتق الحكومة وزيادة عدد المسؤولين، وبالتالي زيادة عدد الآراء التي قد تكون عبئاً يعرقل المسيرة القادمة في ظل ظروف استثنائية تتطلب عقولاً استثنائية، فأهم صفات الاستثمار: الأمان/ غير متوفرة، فالمخاطر كبيرة للاستثمار وسيكون صعباً جذب استثمارات في ظروف كهذه تختلط الوطنية مع المخاطرة، فإذا أردنا أن تأخذ الاستثمارات دوراً كبيراً يجب أن لا تعرقلها أهواء شخصية أو حماية مصالح أشخاص.

العدد 1107 - 22/5/2024