وزير الصناعة.. خطة إصلاح فاشلة وتعيد

 يُختزل الواقع المؤلم للقطاع العام الصناعي بالتالي: 20 شركة رابحة، 12 شركة حديثة وخاسرة، 11 شركة خاسرة تحتاج إلى تطوير خطوط إنتاجها، 11 شركة لا جدوى من تشغيلها، 12 شركة خاسرة بسبب الظروف الحالية، 37 شركة خارج السيطرة.

ها ـ هو ـ ذا واقع الجناح الثاني للاقتصاد السوري، بعد الزراعة كجناح أول. وكل وزراء الصناعة المتعاقبين منذ ربع قرن، أتوا رافعين شعار الدراسات والمقترحات لمعالجته، دون أن يمتلكوا القرار، وافتقروا إلى جرأة التنفيذ، وسجلوا فشلاً في إدارة هذا الملف الوطني، لأسباب مختلفة، ومن بينهم وزير الصناعة الحالي أحمد الحمو.

وضع الحمو خطة لإنقاذ الصناعة من ترهلها وفشلها، ينطبق عليها وصف فاشل ويعيد. هي خطة ترويضية، بينما تحتاج صناعتنا، إلى عاصفة تخلصها من مأساتها، وحلول جذرية توقف خسائرها، وتنقذها من الموت المحتم. وتظهر على الخطة بصمات التوجهات الحكومية التقليدية، إذ تحاول رأب الصدع مع القطاع الخاص، وتشجيعه ليكون شريكاً تنموياً فاعلاً عبر شراكة مع القطاع العام. وهذه الفكرة على صوابتيها لا تصلح الآن، والحرب مازالت تقرع أجراسها على مساحة الجغرافيا السورية، نزولاً عند قاعدة اقتصادية معروفة رأسمال جبان. لماذا لا يفكر وزير الصناعة من خارج الصندوق؟ ولماذا يدير ظهره للطريق الثالث؟ ولماذا يصر على إعادة إنتاج الأفكار التي استهلكت سابقاً بلا جدوى؟

لا نجد بما يفكر فيه الحمو صوتاً مرتفعاً، إذ أنه وضع خطةً لم تخرج عن السياق التقليدي، بل وفي بعض الأفكار الواردة فيها براءة الطفولة، لإنقاذ الصناعة السورية في شقها العام، كتحويل المؤسسات إلى شركات قابضة. مشكلة العام الصناعي ليست إدارية فقط، هي أولاً إنتاجية. وإذ تتذرع الحكومة الحالية، وربطاً الحكومات القادمة، بضيق ذات اليد، فهناك من الأفكار ما يمكنه حل معضلة المال، بلا ديون جديدة، وبلا تكبيل لهذا القطاع الحيوي. لماذا لا نستثمر الأرض التابعة للشركات الصناعية ـ المتموضعة في المدن ـ وفق مبدأ تجاري؟ ويعود الريع لمصلحة تأسيس شركات صناعية جديدة. لانقصد بذلك بيع الأراضي، بل استثمار موقع كل شركة خاسرة أو متوقفة عن العمل، أو أن آلاتها (سكراب) حقيقي. ويكون الاستثمار بأبنية تجارية وأبراج سكنية، وغيره من خدمات يتناسب مع احتياجات مراكز المدن. ولنتذكر أن وزارة الصناعة هي أكبر مستثمر في سورية، ولها قوة مالية لا يمكن الاستهانة بها، تتمثل بالأراضي التي تمتلكها، والكوادر التي تعمل لديها. ثروتان هائلتان، بشرية وعقارية، فضلاً عن قيمة الآلات. لماذا لا ينطلق الحمو في خطته من هذا المبدأ، ويعمل على العناقيد الصناعية؟ فلنترك زمن الإصلاح الأعرج، ولنغادر غرف الدراسات الرتيبة، ونكف عن الاستماع إلى معزوفة الاستبدال والتجديد المملة، ونذهب إلى فضاء أرحب، اقتصادي بامتياز.

كفانا هدراً للمال العام، تحت بند الاستبدال والتجديد، يكفينا أن تؤسس وزارة الصناعة شركة واحدة كل عام، تعمل بتنافسية، وتتخلى عن عقليتها الحالية القائمة على إخفاء العيوب، ورتق أخطاء السابقين. شركة واحدة بالعام، ومن ثم يصبح الموضوع متوالية هندسية، أفضل من كل هذا (العي) الذي بات عمره ربع قرن، في محاولات بائسة لدراسة الشركات المتعثرة، ويائسة لإصلاحها. بماذا نفسر جرأة وزير التجارة الداخلية باستثمار معمل العصائر الطبيعية في السويداء الذي يملكه القطاع الخاص؟ لماذا لانرى جرأة مماثلة لدى الحمو وفي الشركات التابعة لوزارته؟

إن الرهان فاشل على الاستثمار المشترك، لعدد من الشركات الصناعية، استناداً للتجربة السورية السابقة في هذا الشأن. نركض خلف القطاع الخاص بلاجدوى. نمنحه المحفزات دون فائدة ترجى. نشجعه دون خطوات ملموسة منه. نريد منه أن يكون شريكاً، وهو يفضل العمل باستقلالية بحتة. لنترك القطاع الخاص لهمومه، ونساعده في حل مشكلاته، ونحفزه ليكون شريكاً تنموياً. فلدى هذا القطاع سلة هموم محبطة، ونريد منه أن يمد يده للقطاع العام، أليس هذا العبث بعينه الآن؟

تهالك القطاع العام الصناعي أمام أبصارنا، دخل في حالة موت سريري دون وجل، والخطوات لمعالجة هذا الواقع خجولة، والإجراءات تكاد أن تكون معدومة. هذا الجناح التنموي للاقتصاد السوري، كسرته قوى الفساد. وحاولت تدميره حكومات لاتريد لسورية صناعة قوية ومنافسة. وسعت إداراته لدفنه حياً، تلبية لرغبات قوى ليبرالية، أو لاصطفاف أيديولوجي انتقامي تحريضي، نابع من موقف مضاد للقطاع العام، ومن ردة فعل على مراحل سابقة، سددت الرصاص إلى صدر القطاع الخاص، وأجهضته لاسيما مرحلة التأميم.

 الآن تبدو الحاجة أكثر من ماسة لوجود قطاع عام صناعي قوي وتنافسي، لا يهتم بمقولة اجتماعية صرفة، على حساب المعايير الاقتصادية. وبالاستفادة من الأخطاء القاتلة في المراحل الماضية، آن الأوان لخلق قطاع صناعي عام متميز، جريء في أدائه، تنافسي في منتجاته، ويتحرك بعيداً عن بيروقراطيات العمل السائدة. لنفكر بالمعامل الرابحة، كالأدوية، والتبغ، والمنتجات الغذائية، وغيرها، هذا ما نتمناه من الوزير الحمو، الذي حتى الآن لم يقلع في عهده دولاب الصناعة، ولم يشتغل مسننها الشهير.

العدد 1107 - 22/5/2024