حول «رؤية الحزب الشيوعي السوري الموحد» رؤية شاملة لسورية المستقبل

 الرؤية (التي قدّمها الحزب الشيوعي السوري الموحد) شاملة وواسعة، وهي محاولة جادة ومسؤولة للإسهام في وضع خريطة طريق لسورية المستقبل، بعد ست سنوات ونيف من المخاضات المتعددة، التي تعرضت لها خلال المؤامرة التي استهدفت سورية وموقفها، والتي تسللت بعض أدواتها من ثغرات الأداء، المتعمد منها من قبل البعض أو غير المتعمد، والتي باتت واضحة ومعروفة وتحتاج إلى وقفة متأنية، من شأنها سد هذه الثغرات بإحكام لكيلا يتكرر النفاذ من مثلها في المستقبل.

لن أتناول إيجابيات الرؤية، لأنها كثيرة وموضوعية ولا تحتاج إلى إشادة باعتبارها رؤية موضوعية للراهن في سورية، وللمستقبل المنتظر لسورية، بالاستفادة من آثار ما حصل وارتداداته ونتائجه من جهة، والاستفادة من الدروس والعبر التي يمكن استخلاصها وبلورتها، ووضع علاماتها على خريطة الطريق، وهو ما تناولته الرؤية بوضوح، آخذة بالحسبان التضحيات التي قدمها الشعب السوري عموماً، والجيش السوري على وجه الخصوص، والصلابة التي تحققت جراء تلاحم الشعب مع الجيش، الأمر الذي مكّن الجيش السوري من الانتصار في مختلف الجبهات، بما عزز من فرص الحلول السياسية وفق الرؤية السورية للمسارين السياسي والعسكري معاً، بثبات عزّ نظيره للجيش والشعب والقوى الرديفة الأخرى، وفي مقدمتها روسيا الصديقة وإيران الشقيقة وقوى المقاومة والممانعة الأخرى.

صحيح أن الرؤية شملت فيما تناولته البنود، الجانب الإعلامي، لكنها لم تتناول دراسة واقع الإعلام وطبيعة المعركة التي خاضها طيلة السنوات الست الماضية، في وقت سخّر الإعلام الغربي كله والإعلام العربي الممول بالمال بلا سقوف وإمكانات بلا حدود، لذلك كان لابد من التوسع في هذا الميدان، لأنه يرتبط ثقافياً بحزب طالما اتبع نهجاً فكرياً عقائدياً يعتمد الإعلام والثقافة والوعي وقيادة الجمهور.

كان إعلامنا بحاجة إلى وقفة موسعة أكثر، خصوصاً أن الجميع يعترف أن المعركة الإعلامية سبقت المعركة العسكرية، وأن الفبركات والسياسات الإعلامية المعادية كانت معدّة سلفاً، وأن أية معركة قادمة تحتاج إلى عناية بالإعلام الخاص والعام معاً، منذ الآن مادامت المعركة بين الحق والباطل ستستمر عبر التاريخ، وللشيوعيين عموماً وفي سورية على وجه الخصوص، دراية واسعة في هذا الميدان الفكري والمعرفي والثقافي ومنه الإعلامي.

أما في الجانب الذي يعزف على أوتاره أغلب المتابعين للشأن العام، وهو جانب الفساد، فقد أصبحت هذه المقولة على لسان الفاسدين قبل المتضررين منه، ومن هنا أدعو النخب الوطنية وفي مقدمتها الحزب الشيوعي السوري إلى إطلاق حملة لتعريف الفساد أولاً، والتفريق بين الالتزام نصاً بحرفية القوانين، والمبادرات الخلاقة للعاملين في الدولة من جهة، وإلى تنظيف مؤسسات الرقابة المنوط بها إطلاق التهم والبراءات من الفساد أصلاً، ذلك أن من يعمل في مؤسسات الرقابة هم أصلاً من المجتمع ومن بيئاته المختلفة، وهي البيئات التي أنتجت الوطني والشهيد، كما أنتجت الفاسد والمتآمر، ووضع معايير أخلاقية لمن يتم اختيارهم لمسؤولية الرقابة، وإطلاق الأحكام المسبقة، وأنه لا قرار غير قرار القضاء العادل بحق، وهذه مسالة غاية في الأهمية والخطورة، إذا ما أردنا بناء سورية على الوجه الأمثل الذي تناولته الرؤية المذكورة، والتي أراد الحزب فيها أن تكون رؤية محضة، منيعة على الاختراق بحيث لا تتكرر الثغرات التي تناولت بعضها الرؤية وأشارت إليها.

أرى أن الرؤية قاربت مسألة الدين والدولة وتفرعاتها، ولكنها قاربتها بشكل عام، وفقدت التميز والجرأة بالطرح التي اتسمت بها مواقف الشيوعيين عموماً من مسألة الدين، كنت أتمنى لو أن الشيوعيين العلمانيين أو الأكثر علمانية من كل الأحزاب الأخرى بما فيها حزب البعث، أن يطرح المسألة بعمق وإصرار ووضوح أكثر، لأننا على عتبة المكاشفة الصحيحة التي تهدف إلى بناء سورية المستقبل.

 

العدد 1105 - 01/5/2024