موسم الحمضيات… لماذا؟

في جميع البلدان تقريباً، ترتبط أسعار المواد الاستهلاكية، أو بالأحرى جميع المواد المعدة للتبادل ترتبط بأسعار سعر صرف العملة الصعبة. يرتفع سعر صرف الدولار للعملات المحلية، فترتفع أسعار المواد، وينخفض سعر صرف الدولار فتنخفض أسعار المواد.

تشذ عن هذه القاعدة سورية، التي يزداد فيها ارتفاع سعر صرف الدولار، فتزداد أسعار المواد، أما إذا انخفض هذا السعر، فتستمر أسعار المواد بالارتفاع. وتسأل التاجر: لماذا الأسعار مرتفعة بهذا الشكل، فيجيبك: إنه الدولار يا صديقي! وعندما تجيبه على سبيل المثال بأن الدولار قد انخفض البارحة 10%، فلماذا لا تخفض بضاعتك 10% أيضاً؟ يهز رأسه ولا يجيبك بشيء، أو يأخذ بالتظلم من الضرائب والرشاوي التي يدفعها، والتي تنهال عليه.. لامجال للنقاش.. تسأله: لماذا سعر كيلو الليمون 300 ليرة سورية في موسمه؟ فيجيبك بحديث طويل يقنعك فيه بأنه يخسر في هذه البضاعة، وألا مصلحة له في بيعها، إلا أن خوفه على مصالح المستهلك قد أجبره على ذلك، ولو أدى ذلك لخسارته، وتكاد ترثي له وتعجب بإنسانيته. لقد أثارني هذا الأمر، فقررت التدقيق في أسعار مادة الليمون في الآونة الأخيرة.

يأخذ تاجر الجملة كيلو غرام الليمون من المزارع بسعر 16 ليرة سورية، ويدفع أجور نقل كل كيلو غرام إلى دمشق وبالحدود العليا جداً 25 ل. س تقريباً، ورشاوي أثناء الطريق بحدود 5 ليرات لكل كيلو، وتحميله وتفريغه 5 ليرات، يصبح المجموع 51 ليرة سورية نفقات كل كيلو غرام يصل إلى مخازن تاجر الجملة. تأخذ الدولة ضريبة ولنفرض أنها 10 ليرات لكل كيلو، فتصبح كلفة الكيلو غرام الواحد 61 ليرة. لنفرض أن تاجر الجملة يحصل على ربح مقداره 10% من الكلفة، وهذه النسبة هي المتعامل بها عالمياً، ويضاف إليها 5 ل.س أجور المستخدمين، عنده فيصبح سعر الكيلو غرام 80 ليرة سورية، أي أنه على تاجر الجملة أن يبيع كيلو الغرام الواحد لتاجر المفرق بـ80 ل.س.

يدفع تاجر المفرق 10 ليرات فرضاً أجرة تحميل وتفريغ، هذا السعر بالحدود العليا، و10 ليرات نقل، و5 ليرات تلف بضاعة، و5 ليرات ضريبة ورشاوي، فيصبح كلفة الكيلو الغرام الواحد 110 ليرة، ويجب أن يباع الكيلو غرام بربح 10% ليصبح السعر للمستهلك 125 ل.س. ويطرح التساؤل التالي: لماذا يباع إذاً الكيلو غرام عند تاجر المفرق بـ300 ل.س؟

أين وزارة التجارة الداخلية، وأين التموين، وماذا يفعلان للمواطن السوري، وأين هي جمعيات حماية المستهلك، وماذا فعلت له أيضاً؟

إننا نعلم جيداً الآثار السيئة جداً على الاقتصاد السوري الناتجة عن الأزمة، بيد أن هذا الوضع يجب أن يدفع الحكومة لبذل الجهود الكبيرة من أجل حماية المواطنين الذين يشكلون أساس صمود سورية من تجار الأزمة وأثريائها وسماسرتها، وهذا ما لم يحصل.

إن المواطن السوري يتشاءم عندما يسمع تصريحات المسؤولين في الحكومة عن الجهود التي يبذلونها لأجل المواطن، سواء فيما يتعلق بالكهرباء أم الماء أم أسعار المواد الاستهلاكية أم انخفاض سعر صرف الليرة، لأنهم يعرفون مسبقاً أن الوضع سيسير باتجاه آخر، وأن الأمور ستصبح أكثر سوءاً.

لقد أصبحت معيشة المواطنين صعبة جداً، مع هذا التراجع الكبير في دخلهم الذي بلغ أكثر من خمسة أضعاف عما كان عليه سابقاً، مع غلاء أسعار فاحش بلغ أيضاً أكثر من خمسة أضعاف، وهذا الأمر لا قدرة لهم على تحمله.

إن متطلبات المعركة الوطنية التي تخوضها سورية تتطلب أولاً وأخيراً الاهتمام بالمواطن وإعلاء شأنه، والعمل دون كلل من أجل ذلك، لأنه في هذا الأمر يكمن أي انتصار لاحق.

 

العدد 1107 - 22/5/2024