الانعـكاسات الاجتماعية الأزموية في سورية

 الانعكاسات الاجتماعية الأزموية كان عنوان الندوة الثالثة من الملتقى الاقتصادي الحواري التفاعلي السادس الذي يقيمه فرع اللاذقية لجمعية العلوم الاقتصادية، وقد بدأ رئيس فرع الجمعية الدكتور سنان علي ديب الجلسة بشرح مختصر عما أدت إليه الأزمة من أمراض جديدة وافدة وتأزيم أمراض كانت منتشرة، فقال: أدت الأزمة المعقدة المركبة إلى استفحال أمراض كانت موجودة وخلق أمراض جديدة ونشر أمراض وثقافات غريبة عن مجتمعنا ومنطقتنا، فالفساد المسرطن الذي كان اختراقاً لتخريب المؤسسات وتقوية نفوذ شخصيات قلة زاد أضعافاً مضاعفة، واخترعت أساليب أكثر قذارة وبعداً عن الإنسانية مثل المتاجرة بالأعضاء البشرية، والقتل من أجل المتاجرة فيها والخطف لقبض الفديات الملوثة، إضافة إلى انتشار ظاهرة تجارة المخدرات ومحاولة نشرها بين الشباب، ووصول منافذ بيعها إلى المنشآت التعليمية وازدياد حالات الطلاق والعنوسة إضافة إلى اليتم والتشرد والتسول وازدياد المعاقين ومشوهي الحرب إلى نحو مليون شخص،

كذلك نزوح نحو 12 مليوناً نصفهم داخلي مما أنعكس سلباً على الخدمات بشكل عام، هذه الخدمات التي كانت تعاني خللاً متغاضى عنه كالخدمات الصحية والتعليمية والهاتف والكهرباء والماء والصرف الصحي، وكذلك ازدياد ظاهرة هجرة العقول والكفاءات في وقت قمة الحاجة إليها لامتصاص الأزمة وضبط المجتمع وبث ثقافات تجميعية سلمية جامعة، إضافة إلى ذلك كان هناك عمل مكثف مستمر قبل الأزمة بأمركة متعوب عليها لبث ثقافات العنف بدل السلام عبر برامج وأفلام تمتد من الأعمار الصغيرة وصولاً إلى أعمار كبيرة، كل هذه النتائج في ظل نوم أو تنويم لنخب حقيقية فاعلة مؤثرة لإصلاح ما يمكن إصلاحه والتأثير الإيجابي في مواجهة هذه الظواهر ولإعادة التواصل والاتصال الاجتماعي بدلاً من التفكك والتحلل الاجتماعي.

ثم قدمت الباحثة الاجتماعية المهندسة عروبة الخير ورقة عمل أوضحت فيها ما أصاب مجتمعنا من ويلات وخاصة للأطفال، في ظل غياب الدور الحقيقي للمؤسسات التربوية وفي ظل ضعف دور المؤسسات الأهلية ومؤسسات ما يسمى المجتمع المدني التي كانت الغاية الأساسية لها التنظير والظهور والاستفادة بدلاً من التطوع الخيري وملء الفراغ ومساعدة الحكومة في التخفيف من الآثار السلبية. ولذلك لابد من برامج دعم نفسي تبدأ من الروضة وصولاً إلى كل نوع من الأمراض التي استشرت في مجتمعنا من خوف ورعب وعصاب وغيرها.

 وبعد ذلك قدم الباحث الاجتماعي شادي حسن ورقة عمل تكلم بها عن الفساد ودوره في إطالة عمر الأزمة، وعن عدم التعامل مع الكوارث الأزموية بروحية مناسبة، وأن الانحلال الأخلاقي ركيزة من ركائز انتشار الأزمة واستفحالها..

بعد ذلك حصل نقاش حاد حول توصيف حالات الاغتصاب ودفع السوريات في مخيمات النزوح لأغراض جسدية مقابل المال، فرفض الجميع توصيف هؤلاء بالدعارة وإن كانت هذه السلوكيات غير مرحب بها وغير أخلاقية، ولكن الظرف الذي فُرض على السوريين ومحاولة النيل من كبريائهم وعزتهم وسط ظروف قاسية وحقيرة قد دفعت بالبعض ولكن الشرف السوري ما زال حاضراً وتوصيف الوضع بقسوة كهذه للنيل منه. وكذلك برزت حالات إجبار القاصرات السوريات على الزواج من غربان وذئاب متوحشة، وتوصل الجميع إلى أن البيئة السورية كانت تعاني من فوضى وأزمة أخلاق كانت مدخلاً للنيل من المجتمع السوري ودفعه باتجاه الاقتتال الطائفي أو العرقي أو الإثني، ولكن منذ فترة عاد الوعي لأغلب السوريين ووحّدهم الدم والتآمر العالمي من أغلب الدول التي تريد سورية ساحة لتصفية الحسابات بدلاً من انتقال المعارك إلى بلدانها، وبالتالي الآن الرهان على تضافر جهود المؤسسات الحكومية الحامل الحقيقي لمشروع إعادة البناء الإنساني من أجل تهيئة الأجواء لعودة السوريين إلى أراضيهم عبر مصالحات ومسامحات موحدة واقية للدماء ومعمرة للدمار، ولا فائدة من مشاريع كهذه من دون إرساء القانون العادل فوق الجميع، ولا يمكن الانطلاق بذلك من دون إصلاح مؤسسات التنشئة التعليمية عبر مناهج جديدة حاملة للإصلاح ومكرسة للوطنية والأخلاق موحدة وبانية للوطنية التي هي أس الانتماء والاندماج ومؤسسات إعلامية ناقدة بناءة مراقبة محاسبة كسلطة رابعة، والمؤسسات الدينية العاملة لترسيخ قيم الديانات السماوية في المحبة والسلام والتسامح ومنع القتل وتجريم خيانات الأوطان.

ويبقى لتعيين الكفاءات السورية الحاملة لمشروع الوطن الدور الأساسي في الإحاطة بالفساد والفوضى وإعادة الأمان والاستقرار، وما نراه من عواصف قابلة للاستيعاب وتغيير اتجاهها، وفي الختام شكر رئيس الجلسة الحضور مذكراً إياهم بالجلسة القادمة حول التضخم والأسعار والدولار.

العدد 1105 - 01/5/2024