في اجتماع المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوري الموحد …الرفيق نمر: أمريكا وحلفاؤها لن يفرطوا بالفصائل المسلحة

قدم الرفيق حنين نمر، الأمين العام للحزب الشيوعي السوري الموحد، تقريراً عن آخر تطورات الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وذلك في اجتماع المكتب السياسي للحزب يوم السيت 16/1/2016 وفيما يلي نص التقرير:

يكتنف الغموض يوم  25/1/2016 وهو الموعد الذي حددته الأمم المتحدة لبدء مفاوضات التسوية السياسية للأزمة السورية، فالخلاف مازال مستحكماً حول نقطتين أساسيتين وهما: إشراك جميع قوى المعارضة السياسية أو الاكتفاء بالأسماء التي اقترحها (الائتلاف) والتي تمثل حلفاء السعودية وأمريكا فقط، والنقطة الثانية تتعلق بهوية الفصائل المسلحة ومدى اشتراكها في العملية السياسية.

ولاشك أن لهذا الخلاف تداعيات خطيرة، فأي تساهل في السماح للفصائل المسلحة الأكثر تشدداً بالمساهمة في هذه العملية، سيؤدي إلى انحرافها تماماً عن الأهداف المتوخاة منها، وهي القضاء على الإرهاب ومنظماته، خاصة أن لدى العديد من القوى الوطنية تحفظات كثيرة حول مدى تسلل فصائل مسلحة مازالت تمارس نشاطها وكأنها باقية، وأن دورها في مرحلة المباشرة بالتسوية هو دور محفوظ لها دون أن تمارس أية مراجعة لأفكارها ولتجربتها.

ويتوقع البعض أن الخلاف البادي على السطح الآن حول النقطتين المذكورتين سيؤدي إلى تقويض اجتماع جنيف المزمع عقده ، وبالتالي عودة مساعي الحل السياسي إلى المربع الأول.. ويستندون في ذلك إلى أن أمريكا وحلفاءها لن يفرطوا بالفصائل المسلحة لأنها تمثل القوة الحقيقية في المعارضة، إذ لا وزن يذكر للمعارضين غير المسلحين، والذين ليس لديهم فصائل أو مجموعات يستندون إليها. كما يرتكزون إلى أن أمريكا مازالت مهتمة بتعديل توازن القوى ضد الجانب السوري- الروسي، وتسجيل علامة انتصار لها ولأتباعها في المنطقة، ولو كلف الأمر تأخير مساعي التسوية السياسية للأزمة، إ لم يكن إجهاضها نهائياً..

ولكننا مع الكثيرين، نعتقد أن الولايات المتحدة أفلست فيما يتعلق بمحاولاتها إسقاط الدولة السورية، وعلى رأسها الرئيس بشار الأسد، أو تحقيق نصر عسكري ضد الجيش السوري الذي أبدى الكثير من صنوف الشجاعة والبطولة، وحرر ويحرر كل يوم أجزاء هامة من التراب السوري الذي دنسته قطعان المرتزقة.

وكان للدور الروسي الحاسم في مساعدته لسورية والتعاون العسكري المشترك بين البلدين على أرض الميدان، الأثر الأكبر في سقوط الأحادية القطبية، وسيساعد على ذلك ما رشح من معلومات حول بداية انخراط الصين في قضايا الشرق الأوسط ومنها سورية.

وهناك عوامل أخرى مختلفة أسهمت في وضع  الأساس لهزيمة أمريكا في سورية ومنها:

1- الوضع العراقي الذي يسير باتجاهين، أحدهما مدعوم أمريكياً، والآخر مدعم شعبياً، لكن الجيش العراقي والحشد الشعبي يقفان ضد محاولات أمريكا وقف تقدم الجيش ضد الإرهابيين، ونرى أن عوامل تشكيل تقارب جدي بين روسيا والعراق وإيران وسورية،يلعب دوراً في ذلك، ويمكننا الدعوة إلى دعم هذا التقارب وإيجاد إطار سياسي وقانوني يجمع هذه البلدان.

2- الوضع التركي المأزوم سياسياً وأمنياً وعسكرياً، والسبب الرئيسي لذلك هو التورط التركي في حرب مجنونة ولا أخلاقية ضد جارتها سورية، وقد انكشفت فضائح التدخل العسكري في الشأن السوري وأجبرت تركيا على وضع بعض القيود على التسلل تجاه سورية، كما أنها مشغولة الآن بخوض معركة عسكرية ضد الانتفاضة الوطنية الكردية.

3- لم توافق مصر بأي شكل من الأشكال على قيامها بالتدخل بالعسكري في سورية، بل دعت إلى الحفاظ على سيادة سورية ووحدة أراضيها.

4- تعيش المملكة السعودية أسوأ لحظاتها،إذ إن قيادتها الجديدة هي الأكثر حماقة في الوطن العربي الآن، فهي تقود حملة متعددة الأشكال لإشعار نار حرب مذهبية قذرة بين السنّة والشيعة، أي بين إيران وغالبية الدول العربية، وهي تعتبر هذه الحرب بمثابة التناقض الرئيسي في المنطقة بدلاً من التناقض بين حركة التحرر الوطني العربية والإمبريالية.

إن حماقة الحرب ضد اليمن لن تكون لصالح أحد، وهي خدمة مجانية لإسرائيل وأمريكا ستؤدي إلى إشعال حريق كبير في المنطقة، ويجب النضال ضد هذه الحرب بكل الوسائل الممكنة والدعوة إلى حل سياسي وحكومة وحدة وطنية تضم مختلف الأطراف.

5 – إن صعود روسيا إلى مرتبة القوة الموازية للقوة الأمريكية في التوازن الدولي، وما أدى إليه ذلك من عجزها عن تنفيذ مخططاتها ضد سورية وغيرها قد أجبرها على الدعوة إلى السلام في المنطقة، مستفيدة من المبادرات الروسية السلمية.

إن التراجع الأمريكي العام يتحقق في ظل هاجس الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي تقيد حركة المرشحين فيها، وتحد من مبادراتهم في الأمور الكبيرة والصعبة، مما يضعف من دور  الرئيس الحالي وإدارته في التعاطي مع المسألة السورية ويترك الفرصة سانحة لعملاء أمريكا في المنطقة وهم حكام السعودية وتركيا بالدرجة الرئيسية لكي يقوموا بأداء دور الحرب نيابة عنها، وإشعال نار التوتر المذهبي والطائفي، والإيعاز إلى الفصائل المسلحة لإبداء المزيد من التشدد والوحشية في قتل الناس بالمتفجرات والقذائف، من أجل فرض شروطهم في المفاوضات إن بدأت،لكننا رغم ذلك ننبه إلى ضرورة الحذر من خطورة السياسة الأمريكية التي تتسم بالمراوغة واقتناص الفرص،فهي قادرة على عرقلة أي تسوية سياسية للأزمة السورية تتناقض مع مصالحها الاستراتيجية .

ونحن على يقين أن سورية وجيشها الذي قاتل الإرهابيين بكل ضراوة طيلة الخمس سنوات لن يمكنّهم من إنجاح مشروعهم، حاضراً ومستقبلاً.

إن مهمات حزبنا في هذه المرحلة هي:

1- الاستمرار في الدعوة إلى الدفاع عن الوطن، والمساهمة بكل ما يمكن في سبيل إخراج المحتلين المرتزقة من الأراضي التي دنسوها.

2- دعم جهود سورية في تحقيق الحل السياسي الذي يعيد إلى سورية أراضيها ويحافظ على سيادتها ووحدتها، واعتبار أن كل دعوة للتقسيم بمثابة خيانة وطنية.

3- المشاركة في جهود المصالحة الوطنية في كل المحافظات السورية، وتوسيع دائرتها.

4- الاشتراك في الجهود والأعمال الإنسانية التي تجري برعاية الجهات المختصة بذلك.

5- تدعميم أواصر الصداقة مع روسيا والصين ودول البركس وإعطائهم الأفضلية في مشاريع إعادة الإعمار.

6- إقامة اجتماعات شعبية عامة لشرح سياسة الحزب، وتوسيع دائرة الاتصال بالجماهير من خلال هذه اللقاءات التي يمكن أن تتم في المراكز الثقافية أو في غيرها، من أجل العودة إلى النشاط العلني وهذا النوع من النشاط هو الأداء الرئيسية لتوسيع منظماتنا وتعزيز صلتها بالجماهير.

7- إيجاد الطرق المناسبة للنضال ضد محتكري المواد الغذائية وتجار الأزمات وضد رفع الأسعار الجنوني، هذه الأمور التي لا يمكن أن تحل إلا بزيادة سيطرة الحكومة على أنشطة التجارة الخارجية والداخلية الرئيسية، وتتحمل الحكومة وحدها مسؤولية ازدياد دور كبار التجار في التجارتين الخارجية والداخلية، وتحجيم دور مؤسسات الدولة .

8- إغلاق مكاتب الصيرفة التي أصبحت منفذاً كبيراً من منافذ السمسرة وتسرب القطع الأجنبي إلى خارج البلاد.

9- إزالة العقبات أمام الصناعة الوطنية المحلية، وخاصة المتوسطة والصغيرة، وتقديم كل الدعم للصناعيين بهدف إقلاع منشآتهم التي طالها التدمير.

10- دعم جريدة (النور) بما يمكن من التبرعات المالية لتتمكن من الاستمرار بالصدور، بعد العقبات البيروقراطية والمالية التي فرضتها الحكومة عليها.

أما في الوضع الاقتصادي والاجتماعي، فنلاحظ الارتفاع المستمر لأسعار جميع المواد والسلع والخدمات، وما يزيد من معاناة الجماهير الشعبية، ويصعّب حصولها على الحد الأدنى لمعيشتها، في الوقت الذي يبدو فيه تحرك الأجهزة الحكومية المسؤولة عن ضبط الأسواق عقيماً. كذلك لم تنفذ الحكومة تعهداتها بتحسين الوضع المعيشي للفئات الفقيرة والمتوسطة، وتركت الأسواق لحيتانها الذين يتحكمون منذ بدء الأزمة بلقمة المواطن. وفي الوقت الذي تقدمت فيه الحكومة إلى مجلس الشعب بعدة مشاريع قوانين لتشجيع القطاع الخاص والرساميل الوطنية والأهلية، فإنها مازالت تهمّش القطاع العام بشقيه الصناعي والخدمي، وتتجاهل دعمه، وتقزّم دوره في العملية الاقتصادية باعتباره إحدى الأدوات الرئيسية للحكومة لتحقيق سياستها الاجتماعية تجاه جماهير الشعب السوري. ونؤكد هنا ضرورة تغيير السياسات الاقتصادية ذات الاتجاه الواحد فيبدل دعم القطاع الخاص بجميع قطاعاته المنتجة والريعية، ينبغي التوجه إلى دعم القطاع العام الصناعي، والتمسك بملكية الدولة لمرافقها وقطاعها الخدمي، والعمل على إصلاح هذا القطاع وتخليصه من مشكلاته الفنية والإدارية والمالية، ليكون ضمانة لشراكة حقيقية بين القطاعين العام والخاص تحقق مصلحة الاقتصاد الوطني من جهة، وتلبي متطلبات الجماهير الشعبية من جهة ثانية، فدون إصلاح هذا القطاع الحكومي ستتحول هذه الشراكة إلى ابتلاع وخصخصة.

ونؤكد موقف الحزب من قانون التشاركية رقم 5 لعام ،2016 حين مناقشته في السلطة التنفيذية وتحت قبة مجلس الشعب، وهو موقف التخوف والتوجس من مواده التي تبيح للقطاع الخاص الهيمنة على جميع القطاعات العامة الصناعية والخدمية ومرافق الدولة، ونزع ملكية الدولة وإدارتها لقطاعها الحكومي، وهي خصخصة مهما حاول بعض المسؤولين نفي ذلك.

إن التضحية بالقطاع العام وملكية الدولة لمرافقها تحت لافتة التشاركية مع القطاع الخاص، عدا كونها خاطئة من الناحية الاقتصادية، هي خطوة خطيرة من الناحية السياسية، فامتلاك الدولة لقطاع عام هو ما يصلّب موقفها في مواجهة مخططات الإمبريالية وصناديقها المالية العالمية، ومحاولاتها التدخل في القرار السياسي الوطني. وهي سياسة خاطئة على الصعيد الاجتماعي أيضاً، إذ تحرم الفئات الفقيرة والمتوسطة من سندها الاقتصادي في مواجهة أثرياء الأزمات والمتحكمين بالأسواق من كبار التجار والسماسرة.. ونرى من جهة أخرى ضرورة التحرك الحكومي الجاد لتأمين المازوت للمزارعين لضمان الحصول على مواسم خيّرة لمحاصيلنا الزراعية لتوفير الأمن الغذائي، والاستغناء عن استيراد هذه المحاصيل من الخارج.

 

العدد 1105 - 01/5/2024