كي لا ننسى..”صالح جوهرة “…مناضل لم يفقد ثقته بالمستقبل

 في قرية الصبورة التابعة لمحافظة حماة، وفي أوائل الثلاثينيات من القرن الفائت، وُلد صالح جوهرة، من أسرة فلاحية فقيرة عانت شأنها في ذلك شأن الأسر الفلاحية السورية الفقيرة الأخرى الكثير من العوز والحرمان والفقر.

لم يستطع صالح الفتى أن يتابع دراسته في المدرسة الصغيرة الوحيدة التي كانت متوفرة في قريته آنذاك، واضطر منذ نعومة أظفاره أن يدخل إلى معترك الحياة الصعب من أجل الحياة. كان عليه أن يعيل نفسه وعائلته أيضاً، ولم يكن العمل الثابت آنذاك متوفراً وسهلاً، ومن أجل الحصول عليه كان يجب بذل الجهود المضنية وخصوصاً بالنسبة لشاب لم يكن يملك المؤهلات التعليمية التي تتيح له تأمين مصدر دخل ثابت يجنبه مطبات الحياة التي لا حصر لها، ويتيح له العيش بكرامة.

تقلّب في أعمال كثيرة، من مياوم يعمل في الحصاد إلى عامل أجير عند تاجر إلى عامل معمل، وإلى عاطل عن العمل في أحيان كثيرة، بيد أن حياة الفقر والحرمان أعطته دروساً كثيراً لا يمكن الحصول عليها من الكتب.. وخلقت لديه مشاعر الغضب والاحتجاج تجاه الواقع الأليم الذي كانت تعيشه جماهير العمال والفلاحين الفقراء، وعلمته الإحساس بمشاعر الآخرين ومعاناتهم، والاستعداد لتقديم المساعدة لمن يشعر أنه بحاجة إليها، ولو من قبيل المواساة.

إن هذه المشاعر الإنسانية المصطخبة لديه، مشاعر الإحساس بالظلم الاجتماعي، والمشاعر الإنسانية تجاه من يشابهه في الحياة، دفعته وهو الشاب وبتأثير من أصدقاء له من السلمية، أن يتعرف على الشيوعيين وعلى الشيوعية، التي وجد فيها ما يصبو إليه، وما يحلم به.. ومنذ لك الوقت ربط حياته بقضية الحزب الشيوعي، وبقضية النضال من أجل العدالة الإنسانية.. كان هو من أوائل الشيوعيين في قريته، وقد عمل كثيراً من أجل توسيع صفوف الحزب، لا في قريته فقط، وإنما على نطاق منطقته. كانت ظروف الحياة التي عاشها قد أعطته إمكانية خلق صلات واسعة مع أوساط عديدة، واستطاع أن يقيم علاقات اجتماعية، كان من الصعب على الحزب القيام بها في ذلك الوقت، ومع الزمن أصبح الشيوعي صالح جوهرة معروفاً على نطاق منطقته مناضلاً شيوعياً لا يكل في الدفاع عن مصالح الناس الفقراء.. اختلف فيما بعد مع الحزب الشيوعي حول مسائل ثانوية، وطرح بعض مسؤوليه أسئلة مستغربة حول علاقاته الواسعة، وكأن ذلك الأمر يعرضه للشبهة، واتخذ قرار بتجميد عضويته، وشكل هذا القرار الظالم بحقه ضربة أليمة بالنسبة له تركت بصماتها عليه طوال حياته، بيد أن ردود فعله على ذلك كانت هادئة، ولم يتغير موقفه فيما يتعلق بالدفاع عن الحزب وسياسته.

في عام 1959 يتعرض الحزب للملاحقات، ويقوم الشاب صالح جوهرة بجمع التبرعات للحزب وتقديم المساعدات المادية له، بيد أن من كان على صلة معه ويستلم منه هذه المساعدات يعتقل، ويجري تعذيبه، ويقر في خاتمة المطاف باسم صالح، فيعتقل ويعذب، ويحقق معه من قبل خائن الحزب رفيق رضا، ويقول له: يطردك الحزب من الباب وتدخل إليه من النافذة! إلا أن الشيوعي صالح جوهرة يرفض أن يتعرض للحزب بأي هجوم، ويرفض أن يعلن براءته منه، ورغم كل المحاولات التي بذلت معه، ورغم كل التعذيب والضغط بقي ثابتاً في موقفه حتى النهاية.

يخرج الشيوعي صالح من السجن بعد انهيار الوحدة، ويعاد له الاعتبار، ويكلف بمهام عديدة، إلا أن الاختلافات في الحزب وصراع الشيوعيين فيما بينهم، جعلته ينأى بنفسه عن كل ذلك، بيد أن قناعاته بقيت حتى النهاية إلى جانب أناس العمل، إلى جانب العدالة الإنسانية التي بقي يرى فيها المستقبل الحقيقي للشعب السوري. إن تراث الحزب النضالي هو غني بشكل كبير، وإن تراث هذا المناضل، يبقى جزءاً منه ويدخل في تراث الشعب السوري الكفاحي من أجل الحرية ومن أجل مستقبل أفضل.

العدد 1107 - 22/5/2024