مجلس الشعب.. الغائب الحاضر!

 لا أعتقد أنني أذهب بعيداً عن الحقيقة عندما أتساءل عن السبب في عدم معرفة أكثر من نصف المجتمع السوري لمن يمثلهم في مجلس الشعب، وانطلاقاً من هذا وبالموضوعيةنفسها، أسأل عن كيفية تمثيل هؤلاء لمن أوصلوهم إلى قبة المجلس.

والشيء اللافت للنظر هو طريقة تعاطي أعضاء مجلس الشعب مع قضايا المواطنين وابتعادهم عن الاجتماع بجمهورهم، للحديث عن مشاكلهم وهمومهم وشجونهم وسن القوانين التي تخدمهم، ومساءلة الوزراء وحتى حجب الثقة عن الحكومة، وبالطبع هذا ما هو سائد قبل الأزمة وأخشى ان يمتد إلى ما بعد الأزمة.

وجريدة (النور) كالعادة مع الناس تنقل آراء مجموعة من مختلف الشرائح الاجتماعية حول العملية الانتخابية لمجلس الشعب القادم ودور المجلس السابق وصفات المرشح المطلوب، في ظل الحرب الظالمة على سورية ومتطلبات المرحلة القادمة للعودة إلى حياة فيها الكثير من الاحترام للمواطن وللقوانين.

أين الشعب من مجلسه؟

السيد علاء أوسي تحدث عن رأيه قائلاً: بداية لابد من الإشارة إلى أن السلطة التشريعية تلعب دوراً رئيسياً في البناء المؤسسي للدولة الحديثة لأنها أصبحت رمزاً للتمثيل السياسي للإرادة الشعبية، وصارت الأداة المعتادة لسن القوانين إضافة لدورها في الرقابة والمحاسبة حيث يتبوأ البرلمان مكانة متميزة في النظام السياسي والدستوري للدول بالشكل الذي يجعل منه عصب الدولة، ..

ولكن أين نحن في سورية من كل ذلك وخاصة بعد مرور خمسة أعوام من عمر الحرب الكونية التي تعصف بنا؟ إذ إن مجلس الشعب في دوراته السابقة لم يكن يمثل الشعب تمثيلاً حقيقياً، فقد كان يعينه الحزب الحاكم والجبهة الوطنية التقدمية، والقلة الباقية هي من كبار التجار والصناعيين وبعض المنتفعين من مميزات عضو مجلس الشعب، مع الإشارة إلى غياب بعض المسميات السابقة في الانتخابات الأخيرة التي جرت بموجب الدستور الأخير، ليبقى السؤال الذي يراود الكثيرين: أين الشعب في مجلسه؟! خاصة مع وجود نواب يفتقرون إلى الخبرة أو الحكمة، بالتزامن مع وجود مواطنين ينتخبون حسب قانون (صوتي لمن يدفع أكثر). إن المجلس لا يتمتع بسلطات كافية تؤهله للارتقاء بمستوى السلطة التشريعية، فهو إلى اليوم لا يتمتع بحق مساءلة المسؤولين المقصرين في عملهم وإعطاء أصحاب الحقوق حقوقهم، وهو ما كان له شأن كبير في أن تتكبد البلاد الكثير من التكاليف بالأرواح والأموال.

وفيما يتعلق بالانتخابات المزمع إجراؤها قريباً، فنحن لسنا بحاجة إلى شعارات رنانة غير قابلة للتطبيق على أرض الواقع، ولا إلى كلمات فضفاضة تتسم بالضبابية، بل نريد طرح برامج عمل ورؤى تنطوي على حلول فاعلة لما نشهده من أوضاع حالية، مع التأكيد على ضرورة استعادة الثقة في آليات عمل الديمقراطية، وهو الأمر الذي يشمل العديد من مكونات النظام الديمقراطي، مثل النظام الانتخابي والحزبي والممارسة البرلمانية ذاتها، فالانتخابات الحرة النزيهة تشكل حجر الأساس في بناء الثقة بين البرلمان والشعب، وعلى أمل أن يطبق مجلس الشعب الجديد ديمقراطية المواطنة التي تضمن تحقق العدل في المجتمع.

فيما يرى السيد نورس حيدر أن مَن يريد أن يصلح خللاً ما عليه الاعتراف أن هناك خللاً في الأصل، ومشكلتنا أننا لا نعترف بالإهمال والتقصير ولا نتقن فن محاسبة المخطئين، وهذا يعقّد المسألة أكثر، فنحن نعرف المرشحين من صورهم فقط وما علينا سوى الانتخاب، وانا لا أذكر أني رأيت أحداً ممن انتخبتهم في الدورات الماضية، إلا عند انعقاد جلسة. وهنا أسأل: كيف يمثلني شخص لم ألتقِ به ولم يعرف وجعي ولا يهمّه أصلاً أن يعرف. من لا يحمل همي كمواطن لا يمثلني، والموضوع باختصار يتعلق بالثقة، وهي معدومة تماماً.

انعدام المساءلة والإحساس بالمواطن

السيد نظير عنجاري يرى أن عضو مجلس الشعب قريب جداً من المسؤول وبعيد عن المواطن، لهذا لا يشعر بما يعاني منه المواطن. ويضيف: بالنسبة للمجلس السابق كغيره من المجالس السابقة فعاليته كانت قليلة. صحيح أنه ليس من المعقول أن يلتقي أعضاء مجلس الشعب مع جميع أفراد الشعب كي نقول عنهم ناجحين في عملهم، لكن عليهم ان يعلموا ما هي هموم الشعب ومتطلباته، وهذا يمكن الوصول إليه عن طريق الاتصال الدائم مع ذوي الخبرات والكفاءات ومع فعاليات المجتمع المحلي ولا أقصد أعضاء المجالس المحلية، بل عليهم معرفة الأشخاص الفاعلين في المجتمع والفعاليات الاجتماعية وحتى الدينية والإعلاميين الشرفاء. لكنهم مع الأسف يلتصقون باستمرار مع المسؤولين وأصحاب المناصب على أساس أن هؤلاء المسؤولين هم ممثلي الشعب. وتناسوا ان هؤلاء المسؤولين كلهم معينون تعييناً على مبدأ الولاءات وليس على مبدأ الكفاءة والخبرة ولا يمثلون إلاّ أنفسهم وأقاربهم ومن يواليهم، وتناسوا أن هؤلاء المسؤولين لا يشعرون بمعاناة الشعب ومآسيه.

طبعاً إذا رجعنا إلى كيفية وصول أعضاء مجلس الشعب إلى أماكنهم نتوصل إلى أن من واجبهم الوفاء لمن أوصلهم إلى عضوية مجلس الشعب، سواء بوضعهم في قائمة الجبهة أو بتبنيهم والمساهمة بنجاحهم. أما فيما يتعلق بصفات المرشح القادم لعضوية مجلس الشعب فأعتقد أن أهم شي بالنسبة لي أن يصل أصحاب الخبرات والكفاءات وذوي السمعة، وأنا لا تعنيني مقولة التركيز على الشباب في الترشيح، لكن إذا توفرت الصفات الحسنة بالشباب فليكن، مع الإشارة إلى عدم وجود ضرورة في التركيز على ذوي الشهداء إلاّ إذا توفرت الصفات الجيدة والمؤهلات الكافية بذوي الشهداء مع الإشارة إلى صعوبة وصول هؤلاء لأنهم غير قادرين مادياً على تأمين متطلبات وصولهم إلى عضوية المجلس. بالمختصر إذا نجح الشريف والنظيف ذو السمعة الطيبة ذو الخبرة والكفاءة فهذا سيكون مع الشعب ومعاناته حتماً، بل سيشعر بمعاناة الشعب وسيجد الأسلوب المناسب للبقاء مع الشعب، لكن ضمن هذه الاعتبارات سينجح من يملك المال ومن يتبناه أحد المسؤولين الكبار. لذلك فإن هذا الذي ينجح سيكون وفياً لمصالحه الشخصية ووفياً أكثر لمن تبنّاه.

في حين ترى نعمى سليمان أنه من المفروض أن يكون مجلس الشعب موجوداً لمساندة الناس في هذه الأزمة، ويبدو أن الكثيرين منهم استغلوا الأزمة وبذلوا الغالي والرخيص في سبيل الوصول إلى مقعد في المجلس وباتت مصالحهم هي الأساس، ومنهم من عمل ليعتلي منصباً أرفع فكانوا أزمة مع الأزمة… وللأسف حالهم حال حكومة الأزمة. للأسف لا مرشح على الأرض مثلما نريد… مرشح متعلم مثقف واعٍ نزيه من البسطاء وإليهم، يسعى لدرء الظلم عن المحتاجين. وفي هذه الأيام سيترشح من هو وحش وليس إنسان في معظم الأحيان.

ترويج وفهم خاطئ

السيد عمار محمود يرى أن هناك فهماً خاطئاً لعمل عضو مجلس الشعب بين مختلف مستويات المجتمع الفكرية، فالبعض لا يميز بينه وبين السلطة التنفيذية لتقييمه، والبعض يرى نجاحه بقراءة بعض المطالب تحت قبة البرلمان، والبعض يرى نجاحه في المساعدة بتنفيذ بعض المشاريع البسيطة هنا وهناك، أو المساعدة في إحداث (مؤسسة) ما في مكان ما أو حتى نقل مقرها.

وللأسف حتى عضو مجلس الشعب يروج لنفسه بهذه الصورة البسيطة مستغلاً جهل الناس البسطاء بأن دوره أهم من ذلك بكثير، وبعض المستفيدين منه أيضاً ممن هم بموقع من المواقع يساهم بتثبيت هذه الثقافة الخاطئة ونشرها، لأن المصلحة مشتركة تماماً، مخفين واجب عضو مجلس الشعب وعمله عن الأذهان لكي لا يعرف الناس مدى فشله، وهو كامن في مدى قدرته على سن قوانين تعود بالفائدة على المواطن وتسهل عليه طريقة عيشه، بما يتناسب مع تضحياته أقله في هذه المرحلة العصيبة، عدا دوره في المساءلة لأي وزير عن أي من الممارسات التي تخالف القانون بشكل صريح وواضح، لذلك إذا لم نرَ دوره تحت قبة البرلمان الكامنة بوضع قوانين تشريعية تضمن للمواطن مصلحته ويحقق مبدأ المساءلة لمن يخطئ في السلطة التنفيذية، فسيكون دون النجاح حكماً. وبرأيي كل عضو مجلس شعب ليس منبته من المعاناة لن ينجح في توصيفها وإصلاحها من ناحية، ومن ناحية أخرى ما لم يتحلّ بروح المسؤولية ويكون على مستوى من العلم والمعرفة والشجاعة والصدق والنزاهة والبعد عن المصالح والمحسوبيات التي يمكنه من خلالها محاكمة المشكلات وإيجاد الحلول بما يحقق المصلحة للمواطن والوطن.

نجاح سياسي أم روتين؟!

السيد مفيد احمد يرى في الانتخابات إجراء سياسياً روتينياً، إن لم يترافق مع عملية ديمقراطية حقيقية. حتى الآن لم تتبيّن معالم هذه العملية فهناك الكثير من الكوادر التي يمكن أن تكون ممثّلة حقيقية للشعب، ولكن لا يتيسّر لها أن تترشّح وتأخذ فرصتها، إمّا لأن الأحزاب لا تعطيها فرصة نتيجة لعبة المصالح إذا كانت مستقلة أو لعدم توفّر الإمكانية المادية، وبالتالي لست متفائلاً بمن سيكون في المجلس ممثلاً للشعب أكثر ممن كانوا، فخلال أربع سنوات ماضية كان من مثّل طرطوس ( كأنه من قبرص ) لا علاقة له بالشأن العام، بل كان هناك سمة ظاهرة للبعض تمثلت بفساد واضح وصريح.

 مرشحي: أتمنى أن يكون ذا سوية معرفية مقبولة، وذا دراية بمشاكل المواطن وشؤونه ولديه حسّ المبادرة والجرأة على مناقشة تلك المشاكل.

في حين يرى علي محمود أن الانتخابات والإقبال عليها دليل نجاح القيادة السياسية، فكل من لا يشارك في العملية الانتخابية فإنه يخذل الوطن، فمن الضروري المشاركة وعدم انتخاب أيّ من الموجودين أو من أصحاب المال المعروف مصدره، فخلال الأزمة بانت كل معادن الناس لكل ذي بصيرة وأعتقد أن الانتخاب هو واجب كل شخص وله الحرية في إعطاء صوته لصاحب الكفاءة والنزاهة والعلم.

أنا سأنتخب وأنا مع القيادة السياسية وكثرة الاتهامات لأعضاء مجلس الشعب الذين نجحوا بأصواتنا للأسف، فجميعهم فاسدون، صحّ، لكن هذا لا يعني أن يبقى الفاسد بالمجلس فالاعتبارات الماضية يجب أن تلغى وأن يكون هناك معايير جديدة بعد كل ما جرى وحدث في سورية، وأنا سأعطي صوتي بحق للشخص المناسب مع تمنياتنا بأن يصل الشريف إلى مجلس الشعب، باختيار صحيح وصادق وشفّاف كي لا يصل الفاسد إلى هناك كنتيجة لمقاطعة الانتخابات.

أخيراً: شئنا أم أبينا فالمجلس موجود، ولكن هل يعني وجوده، أنه يقوم بالواجب تجاه المواطن وتجاه مساءلة من أعطاه القانون الحق في مساءلته، وهل يعني عدم قيام أعضاء المجلس بمهامهم أنه غير موجود؟!. ما نتمناه أن يتحسّس المواطن قيمة  الانتخابات وأن يوصِل إلى المجلس من يبقى الوطن هو البوصلة الحقيقية له وبالتالي المواطن.. ولننتظر!!

العدد 1107 - 22/5/2024