هكذا يفهمون الحوار..

 في الوقت الذي كانت فيه أبصار لعالم تتجه إلى جنيف لترقب تعقيدات الخطوة الأولى نحوه.. ذهل العالم من التفجير الإجرامي الواسع النطاق في حي السيدة زينب في ريف دمشق، الذي أسفر عن وقوع أكثر من 60 شهيداً وحوالي 100 جريح. والأكثر بشاعة أن يعلن مسؤول في قيادة الإرهابيين تبني داعش لهذه الجريمة (دعماً) لمهمة وفد (الرياض) الموجود في جنيف الآن، وكان مؤتمر جنيف قد تأجل عدة أيام حتى يتفق (المعارضون) على تشكيل وفدهم، والمنقسمون ما بين معارضة سياسية، ومعارضة مسلحة يطمح ممثلوها للسيطرة على الوفد السياسي، الأمر الذي لا يستقيم إلا باستقوائها بالجماعات المسلحة.

وقد ظهر ذلك جلياً في الموقف من الإرهابيين (علوش وغيره) ومن التنظيمين الرئيسيين (أحرار الشام وجيش الإسلام)، إذ سيشكل الإصرار على وجودهم في المباحثات عقبة كبيرة أمامها، إذ كيف يمكن التوفيق بين وجود هؤلاء الإرهابيين ومهمة المباحثات الأساسية التي هي مكافحة الإرهابيين؟؟

وقد ترافق ذلك مع الموقف الاستفزازي الجديد لتركيا فيما يتعلق بالخرق المزعوم للأجواء التركية من قبل الطائرات الروسية، وكذلك التصريحات العدوانية لبعض المسؤولين الأتراك الذين وصفوا فيها اشتراك وفد المعارضة السورية في مباحثات جنيف بأنه عمل خياني، وتصريحات بعض المسؤولين الغربيين (فرنسا وبريطانيا) التي عزفت على وتر واحد هو تحريض المعارضين السوريين على المزيد من التشدد في جنيف.

وإضافة إلى كل المؤشرات التي سبق ذكرها، يجب ألا ننسى الجريمة الفظيعة والمروعة بحق 300 مواطن سوري من قرية البغيلية في محافظة دير الزور الذين قتلوا دفعة واحدة على يد مجرمي داعش منذ عدة أيام فقط، واختطاف حوالي 400 مواطن آخر لاستعمالهم دروعاً بشرية في المعارك الدائرة الآن في تلك المحافظة، إضافة إلى ذلك الحصار القاتل الذي مازال مواطنو دير الزور يعانون في ظله منذ عدة أشهر، والذي تحول إلى حصار جوع حقيقي، تتجاهله كل أوساط الإعلام المعادي.

لم تحلّ حتى الساعة، بعض العُقد والإشكاليات في أكثر من موضوع يتعلق بمحادثات جنيف، وهي نقاط تدور حول (من يمثل) المعارضة؟ وحول وجود معارضات مختلفة، أم معارضة واحدة.

لكن الصعوبات الحقيقية التي ستظهر عاجلاً أم آجلاً ستكون حول المنطلقات الأساسية في إعداد جدول أعمال هذه المباحثات، إذ بينما يستند الموقف السوري إلى القرار المتخذ في اجتماع فيينا (المنعقد بتاريخ 14/11/2016)، والذي ينص على أن مقومات الحل السياسي في سورية ترتكز إلى تشكيل حكم ذي مصداقية وليس هيئة انتقالية، كما تريد المعارضة أن تكون، استناداً إلى أحد مقررات جنيف ،1 إلا أن الزمن تجاوز (جنيف 1) من زاويتين، الأولى التغير الهام الحاصل في ميزان القوى الميداني لصالح الجيش العربي السوري، والثانية من زاوية بروز مهمة مكافحة الإرهاب كمهمة أولى أقرها مجلس الأمن في قراره الأخير رقم 2254.

سيعمل الوفد المعارض على تجاهل هذا القرار، والسعي لإنجاح مفهومه حول الهيئة الانتقالية التي تعني حسب مفهومهم نقل مفاتيح السلطة للمعارضة. إنهم يعلمون حق العلم أن تغيراً ملموساً ووازناً في ميزان القوى قد حصل لصالح الجيش العربي السوري، نتيجة صموده ونتيجة الموقف المتميز والقوي الذي وقفته روسيا إلى جانبه، لذلك فإن الإرهابيين بعد نجاحات الجيش السوري سيسعون الآن، في ظل الغطاء السياسي الذي يتمتعون به، إلى التصعيد الإرهابي في أكثر من مكان، لكي يشهد العالم على استمرار قوتهم وقدرتهم على التأثير في مجرى الأحداث.

إن الشعب السوري الذي صمد مع جيشه الباسل خمس سنوات قادر على الصمود حتى إخراج المرتزقة من أراضيه، وإعادة الأمن والاستقرار وحكم القانون إلى ربوع البلاد، وهذا يتطلب من المسؤولين تأمين عوامل الصمود للجماهير الشعبية وتصليب الجبهة الداخلية وتخليصها من الأخطاء والنواقص.

العدد 1107 - 22/5/2024