الاستثمارات الأجنبية المباشرة

تدرس الحكومة حالياً مشروع تعديل قوانين الاستثمار، والهدف المعلن هو وضع المحفزات التي تشجع المستثمرين الوطنيين والأجانب على الاستثمار في قطاعات الاقتصاد السوري المختلفة.لن نعلق على المشروع الجديد في هذه المقالة، لكننا نذكّر بدور الاستثمارات الأجنبية المباشرة في العقد الأول من القرن الحالي، وهل كان هذا الدور مجدياً؟؟.

ازدادت أهمية الدور الذي تلعبه الاستثمارات الأجنبية المباشرة في الدول النامية خلال العقدين الأخيرين، وعوضاً عن التضييق.. والارتياب، وفي كثير من الأحيان تأميم ممتلكات الشركات الأجنبية، حلّت سياسة جذب.. وإغراء.. وتسهيلات.. وذلك للأسباب التالية:

1 – انتهاج سياسة اقتصادية تعتمد على اقتصاد السوق والمنافسة، فبعد سيادة مفاهيم الليبرالية الاقتصادية الجديدة، وفرض أساليبها لتحول البلدان النامية إلى اقتصاد السوق الحرة، أصبحت البلدان النامية بحاجة إلى استثمارات أجنبية، تساعدها في تنفيذ التحول الهيكلي لاقتصاداتها.

2 – تحديث البنية التحتية والخدمات وبضمن ذلك الاتصالات، إذ دخلت إلى تلك الدول شركات الإنشاءات الكبيرة، وكذلك شركات الهاتف الثابت والنقال وأنظمة الحواسب.

3 – حاجة الدول النامية إلى الاستثمارات الخارجية نظراً لضعف الاستثمار الداخلي، وعدم قدرة تلك الدول – خاصة في عصر العولمة- على تطوير اقتصادها دون استثمارات كبيرة بهدف تطوير استغلالها للموارد الطبيعية.

وتلعب الشركات المتعددة الجنسية دوراً رئيسياً في التدفق العالمي للاستثمار الأجنبي المباشر في مجموعة كبيرة من البلدان تتوزع في أرجاء العالم.

يعرّف الاستثمار الأجنبي المباشر بأنه (الاستثمار الذي تكون أغلبية رأسماله لشخص طبيعي، أو اعتباري، يتمتع بجنسية دولة غير الدولة المضيفة لاستثماراته، ويتضمن توظيفات طويلة المدى، ويتمتع المستثمر الأجنبي بدور فعال في الإدارة والتوجيه). (راجع تقرير الاستثمار العالمي 2006).

ما الذي يدفع الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى دخول الدول النامية..؟ تاريخياً ومن خلال تجارب دول آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، كان للاستثمارات الأجنبية المباشرة هدفان رئيسيان:

1 – هدف سياسي، ويتلخص بمساعدة دولة حليفة، ودعم استمرار نظامها السياسي والاقتصادي الذي يخدم مصالح الدولة الأجنبية، أو الضغط على دولة معينة لانتهاج سياسة موالية.

2 – هدف اقتصادي، ويسعى إلى الحصول على الموارد الطبيعية، والعمالة الرخيصة، والتهرب من قوانين الضمان الاجتماعي، وخاصة بعد تحرير التجارة العالمية، وسعي المنتجين إلى تخفيض تكاليفهم إلى الحد الأقصى كي يصمدوا في حلبة الصراع على اقتسام الأسواق.

وغالباً ما يندمج السياسي بالاقتصادي، ويصعب حيتئذٍ التيقن من الدوافع الحقيقية للاستثمار الأجنبي المباشر.

بلغ حجم التدفق العالمي للاستثمار الأجنبي المباشر 1.83 تريليون دولار في عام 2007، وبلغت حصة البلدان العربية من هذا التدفق 4%.

الاستثمارات الأجنبية المباشرة في سورية:

ازداد تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى سورية خلال الفترة الممتدة بين عامي 2000، و 2008، ونبين في الجدول التالي حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة المتدفقة إلى البلاد بملايين الدولارات:

السنة   2000 2001 2002 2003 2004 2005 2006 2007 2008

التدفق  270   110   115   160   275   508   613   898   1187

خططت الحكومة السورية لزيادة مساهمة الرساميل الأجنبية في عملية إعادة هيكلة الاقتصاد السوري من اقتصاد مخطط، ذي ملامح اشتراكية، إلى اقتصاد السوق، وكان أحد أهداف الخطة الخمسية العاشرة زيادة الاستثمار الأجنبي المباشر من 1.4% من الناتج المحلي الإجمالي عام 2005 إلى 2.9% عام 2010.

بلغ عدد المشاريع الاستثمارية التي تضم شركاء عرباً وأجانب، المشمولة بقوانين الاستثمار 234 مشروعاً، منذ عام 1991 ولغاية عام 2008، وبلغت تكاليفها الاستثمارية 692 ملياراً و 700 مليون ليرة سورية، أي ما نسبته 43% من إجمالي التكاليف الاستثمارية لجميع المشاريع المشمولة بقوانين الاستثمار. (راجع التقرير الثالث لهيئة الاستثمار 2008)

قانون تشجيع الاستثمار رقم 10 لعام 1991 وتعديلاته، ليس القانون الوحيد الناظم لتدفق الاستثمار الأجنبي المباشر، فهناك قوانين أخرى تتعلق بالاستثمارات السياحية والعقارية والخدمات النفطية، ونبين في الجدول التالي مشروعات الاستثمار الأجنبي المنفذة، وقيد التنفيذ في الفترة الممتدة بين عام 2004 وعام 2008، بملايين الدولارات:

القطاع                 2004 2005 2006 2007 2008

النفط                   157   100   111   97    415

السياحة                 60    300   225   385   490

التأمين                   –      –      93    50    23

المصارف               45    45    64    130   28

زيادة رأسمال المصارف  –      –      30    30    22

قطاعات أخرى           45    83    59    265   54

الإجمالي              307   528   582   957   1032

يبيّن الجدول توجه الاستثمار الأجنبي المباشر نحو القطاعات الخدمية والعقارية والسياحية والمصرفية، فهو لم يخرج عن المسار التقليدي لمساهمته في جميع البلدان النامية.

لم تبيّن هيئة الاستثمار في تقريرها الثالث عام 2008، التأثير الذي مارسته الاستثمارات الأجنبية على مجمل النشاط الإنتاجي في البلاد، ونجهل حصة الاستثمارات الأجنبية في إجمالي الإنتاج الصناعي أو الزراعي، وإن كنا نتوقعه محدوداً جداً، لكن الواضح أن حصتها مرتفعة في المشاريع العقارية والسياحية.

مما يدفعنا إلى التساؤل عن جدوى هذه الاستثمارات، وحقيقة مساهمتها في التنمية الاقتصادية والاجتماعية في البلاد، وإذا أضفنا ضآلة فرص العمل التي وفرتها هذه الاستثمارات، والبالغة 39455 فرصة عمل منذ عام 1991، حتى عام 2008، يزداد الغموض الذي يحيط بجدوى الاستثمارات الأجنبية المباشرة. ورغم ذلك اقترح البعض رفع نسبة تملك الرساميل الأجنبية في المصارف السورية من 49إلى 60%، ونُفذ هذا الاقتراح بعد ذلك.

الآثار السلبية للاستثمارات الأجنبية:

تعاني البلدان النامية من الآثار السلبية للاستثمارات الأجنبية المباشرة، ويأتي في مقدمتها:

1 – القدرات المالية الهائلة للاستثمارات الأجنبية، والدعم السياسي من قبل دولها، تدفعها للتأثير في القرار السياسي للبلدان النامية، وإخضاعها لشروطها للحصول على الحد الأقصى من الأرباح.

2 – تستنزف الاستثمارات الأجنبية الثروات الطبيعية، فهي ليست معنيّة بالتنمية المستدامة، وكثيراً ما أدت الاستثمارات الأجنبية إلى كوارث بيئية.

3 – عدم التناسب بين توظيفات هذه الاستثمارات المتواضعة، وأرباحها الكبيرة المحولة إلى خارج البلاد، ففي عام 1992، بلغت الاستثمارات الأجنبية في البلدان النامية 28.9 مليار دولار، أما أرباحها المحولة إلى الخارج فبلغت 16.8 مليار دولار، أما في عام 1994، فقد ارتفعت الاستثمارات الأجنبية إلى 77.9 مليار دولار، لكن الأرباح المحولة إلى الخارج بلغت 23.3 مليار دولار.

4 – نادراً ما تلجأ الاستثمارات الأجنبية إلى التوظيف في مشاريع الإنتاج الحقيقي، بل تهتم بمشاريع استخراج النفط، والعقارات، والسياحة، وتتجاهل قوانين العمل المحلية.

العدد 1105 - 01/5/2024