العالم يتهافت على إيران.. والعرب يصعّدون ضدها!

 جرت الانتخابات الإيرانية كما هو مخطط لها وبكل شفافية وتنافس بنّاء، وكانت نسبة المشاركين فيها عالية (وصلت حسب الإحصائيات إلى 62%)، وقد فاز فيها الإصلاحيون والمعتدلون بعضوية مجلسي الشورى والخبراء.

لاشك بأن هذا الفوز سيعزز مواقع الثورة الإيرانية، وسيدفعها إلى اعتماد مقاربات جديدة وفعالة، سواء بالنسبة إلى أزمات المنطقة المفتوحة، أو في علاقاتها مع المجتمع الدولي.

لقد كانت هذه النتائج متوقعة، ذلك أن الرئيس حسن روحاني وحلفاءه استثمروا توقيع الاتفاق النووي مع الدول (5+1) وقرارات رفع العقوبات الاقتصادية والمالية والنفطية التي أعقبته، وبدأت تدخل حيز التنفيذ، وعززوا مواقعهم في مؤسسات الحكم، وهذا ما حصل بالفعل، إذ صوّت الإيرانيون التواقون إلى الخروج من شرنقة الحصار والعقوبات، لصالح مرشحي هذا التيار، مع العلم بأن الكثير من الإيرانيين يعلقون آمالاً كبيرة على أن يلمسوا، بوضوح أكثر، الآثار الإيجابية للسياسة الخارجية الإيرانية الفاعلة والمتزنة.

في مطلق الأحوال، فإن اتفاق إيران النووي مع المجتمع الدولي وما بعده، قد أطلق ديناميكيات جديدة في الداخل الإيراني، ستكون لها انعكاسات إيجابية كبيرة على السياسة الخارجية، إن لم تكن فورية، فستكون على المديين المتوسط والبعيد.. وهذا ما يترقبه الغرب باهتمام بالغ وملموس، والدليل على ذلك أن العاصمة الإيرانية (طهران) شهدت وماتزال تشهد موجة حجيج لقادة سياسيين كبار وممثلي شركات كبرى لاستطلاع الموقف عن كثب، واتخاذ القرارات حول الكيفية التي سيجري التعامل بها مع إيران ما بعد الحصار ورفع العقوبات.

 ومن المؤسف حقاً أن العرب بشكل عام، ولاسيما منهم حكام الخليج العربي ملوكاً ومشيخات وأمراء، تعاملوا مع إيران ومازالوا تعاملاً غير منطقي، وبعيداً كل البعد عن الموضوعية وعن مصالح دولهم وشعوبهم، تعاملاً استند إلى قاعدة (رد الصاع صاعين)، في الوقت الذي بقيت فيه إيران تمد لهم يد التعاون رغم الإساءات التي قدمتها لها بعض دول الخليج ولاسيما منها السعودية.

إن أقل ما يمكن قوله في هذا التوجه الخليجي المعادي لإيران، وتحفظ دول غربية وازنة وغير وازنة على تمتين العلاقات مع إيران، أنه يبدو بمثابة خروج عن سرب الإجماع الدولي ووجهة نظر الدول الكبرى في تعاطيها مع إيران، إذ حتى الولايات المتحدة الأمريكية التي تصفها إيران بأنها (الشيطان الأكبر) سعت جاهدة لتوقيع الاتفاق النووي مع إيران وأقنعت شركاءها الغربيين بهذا الأمر، إن لم نقل إنها دفعتهم إلى ذلك، إلى جانب أن الرئيس الأمريكي أوباما نصح حلفاءه من دول الخليج بالشروع في حوار ومصالحة مع طهران، وبحث كل القضايا الخلافية على موائد المفاوضات بدلاً من التصعيد، إلا أن هذه النصيحة لم تُجدِ، بل على العكس ضاعفت السعودية من شن الحملات الإعلامية ضد إيران واتهامها بالتدخل في شؤون الدول العربية.

والأدهى من ذلك كله أن السعودية تروج، بل وتعمل جاهدة، لتشكيل ما تسميه (محور إسلامي سنّي)، يقف على حد زعمها في وجه الأطماع الإيرانية في الوطن العربي!

عندما كانت إيران الشاه تجسد على أرض الواقع وظيفة الشرطي الأمريكي الثاني بعد إسرائيل في المنطقة، لم تُظهِر السعودية ولا حليفاتها أي عِداء لإيران، وبعد الثورة الإيرانية التي قضت على حكم الشاه العميل، ومدت يدها إلى العرب للتعاون، ووقفت إلى جانب قضية فلسطين وقضايا العرب الأخرى العادلة، بدأت السعودية بـ(شيطنة إيران).. والآن وبعد توقيع الاتفاق النووي مع إيران ورفع العقوبات الظالمة عنها، وبعد أن أخذ العالم يتهافت على مد يد التعاون لإيران، بعد هذا كله، يلجأ بعض العرب إلى طريق التصعيد والتجييش ضدها!

العدد 1107 - 22/5/2024