كي لا ننسى…عبد القادر عزيز « قدري جان»…الشاعر الشيوعي الكردي الذي غنى العدالة والوطن

عبد القادر عزيز أو قدري جان، شاعر كردي معروف، يقف إلى جانب أبرز الشعراء الأكراد، الذي كرّسوا حياتهم وشعرهم لخدمة الشعب الكردي الذي عانى الكثير، ولخدمة العدالة والديمقراطية والوطن. منذ نعومة أظفاره، اصطدم الشاعر بالمعاناة التي يعيشها إخوانه بالقومية، وشعر بمرارة التمييز والاضطهاد اللذين كان يتعرض لهما الشعب الكردي، على أيدي النظام التركي وأنظمة عملت على قمع حركة التحرر الوطني الكردي، واضعة العرب بمواجهة الأكراد تحت شعارات شوفينية لم تخدم ولم تعبر لا عن مصالح العرب ولا عن مصالح الأكراد، في الوقت نفسه.

وبالرغم من الألم الذي كانت تسببه هذه الأنظمة نتيجة سياستها التمييزية إلا أنه استطاع باكراً، وهو الشاب، أن يميز بين الأنظمة والشعوب العربية، واستطاع أن يرى بعمق أن المصالح الجذرية للشعبين العربي والكردي هي متفقة معاً، وأن السعي للمجابهة القومية بين الطرفين لن يخدم سوى أعداء الشعبين العربي والكردي. لقد قاده هذا التفكير إلى التعمق في التاريخين العربي والكردي في المنطقة، وارتباطهما بصورة وثيقة بحيث يتعذر فصلهما أحدهما عن الآخر. إن إخلاصه الكبير لقضية الوطن السوري، وفي الوقت نفسه، قناعته العميقة بعدالة قضية الشعب الكردي الذي يجب أن ينال حقوقه العادلة، دفعاه تدريجياً للالتقاء مع الحزب الشيوعي السوري، هو وصديقه رشيد كرد، الشاعر الكردي المعروف أيضاً.

إنهما من جيل واحد، فقد ولد الشاعر قدري جان عام 1911 في بلدة ديريك، وهاجر إلى سورية نتيجة الاضطهاد التركي، الذي حكم عليه بالإعدام غيابياً، واستقر في عامودا عام ،1928 وتعلم اللغة العربية خلال سنة واحدة وانتسب إلى دار المعلمين الزراعية في مدينة السلمية، وعمل مدرساً في أنطاكيا، ثم انتقل إلى دمشق حيث مارس مهنة التدريب في مدارس دمشق.

الانعطاف الأكبر في حياة قدري جان جرى عام 1944 عندما تعرف على أفكار الماركسية، وأصبح صديقاً حميماً للحزب الشيوعي السوري، وظل مرتبطاً به وبسياسته حتى اللحظة الأخيرة من حياته. في عام 1959 يُنقل قدري جان، ويزجّ به في سجن المزة، فيرفض (البراءة) من الحزب الشيوعي السوري، مدافعاً عنه وعن سياسته.

كانت كرامته الوطنية تأبى عليه التخلي عن أفكاره التي يؤمن بها، وبقي ثابتاً على موقفه بصلابة. يخرج قدري جان من السجن في عهد الانفصال، ويستمر على علاقته الوثيقة بالحزب، ويصبح ابنه الأكبر مزكين عبد القادر، أحد نشطاء الحزب. إن قدري جان، الشاعر الكردي الكبير، الذي استوعب بشفافية مقدار ارتباط نضال الشعبين العربي والكردي، ووعى بعمق أن تحرر الشعب العربي يعني تحرر الشعب الكردي، لذلك ربط حل المسألة الكردية العادلة بالنضال من أجل الديمقراطية والعدالة الاجتماعية للشعبين على السواء، ووجوده في ذلك الطريق الأساسي الذي يؤدي إلى مستقبل أفضل لكليهما.

إن تاريخ الشاعر الكردي الكبير عبد القادر عزيز هو جزء لا يتجزأ من تاريخ نضال الشعبين العربي والكردي، الذي »امتزجت« فيه دماء الكثير من أجيال المناضلين العرب والأكراد في سورية ضد الاستعمار الفرنسي ومن أجل الاستقلال والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، وسيبقى إرثاً حياً للشعبين لن يمحى أبداً.

العدد 1107 - 22/5/2024