صناعيون: الألبسة الصيفية سترتفع 80%.. وهذه هي الأسباب

 تشكل صناعة النسيج 63 % من القطاع الصناعي في سورية، ويعمل بها حوالي عشرين في المئة من اليد العاملة وتؤمن 12% من الناتج المحلي الإجمالي. وبلغت الصادرات قبل الحرب الظالمة على سورية حوالي 3,3 مليارات دولار سنوياً، ثم تراجعت بنسبة خمسين في المئة عام ،2014 وتعتبر صناعة الألبسة من أهم الصناعات النسيجية في سورية، إلا أنها كغيرها تعرضت للعديد من الصفعات المؤلمة نتيجة الحرب الظالمة، إذ أغلقت الحرب أو دمرت سبعين في المئة من مصانع النسيج في سورية.

هذه الصناعة العريقة التي تعتمد بشكل كبير على الورشات المنتشرة في أنحاء المدن وأريافها، والتي تشكل مصدر دخل لآلاف الأسر السورية، عدا كونها تمثل سلعة منافسة في الأسواق الخارجية من حيث جودتها وسعرها أيضاً، ورغم الحرب الظالمة، لا تزال تتحدى وتقاوم بل واستطاعت النجاح، والدليل على ذلك هو المعارض التي أقيمت مؤخراً والتي شكلت نجاحاً باهراً أدهش العالم أجمع، فقد جذب معرض بيروت نحو 500 تاجر من منطقة الشرق الأوسط.

مؤخراً، جرى التوصل إلى تفاهم بين الصناعيين والتجار، ووزارة الاقتصاد، على تعديل الأسعار الاسترشادية للمواد الأولية لصناعة الألبسة، فخفضت ليصبح سعر كيلو القماش المسنّر القطني 3 دولارات، وباقي الأقمشة المسنّرة والعادية والأقمشة ذات الخيوط الرفيعة القطنية، سعر الكيلو 2,5 دولار، وسُعّر كيلو الخيوط بـ1,5 دولار، والبوي وهو المادة الأولية للبوليستر، متل التوبس المستخدم في الأكرليك، سعر الكيلو 0,6 دولار، وهذه خطوة في الاتجاه الصحيح لدعم هذه الصناعة الهامة، ولاقت قبولاً من الصناعيين، إلا أن الأمر لا يقتصر على تعديل الأسعار الاسترشادية في دعم هذه الصناعة الهامة، وحالياً معظم الورش والمعامل والمصانع الخاصة بالألبسة تجهز لموسم الصيف الحالي، ومع اعتماد هذه الصناعة على الاستيراد  لموادها الأولية (بدءاً من الأقمشة وصولاً إلى الإكسسوارات الخاصة بها)، فإن ذلك يعني أن ارتفاعاً في أسعار الألبسة سيطول الموسم الصيفي دون أدنى شك، لأن معظم المواد الأولية تسعًر وفق سعر الصرف، ولا يخفى على أحد التذبذبات الكبيرة التي طالت سعر الصرف مؤخراً، وفي حال المقارنة مع موسم الصيف خلال العام الماضي، فإن سعر الصرف تضاعف، وهذا ما يؤكد توقعاتنا بارتفاع أسعار الألبسة خلال الموسم الحالي.

رغم كل شيء.. هكذا تذهب أرباحنا

للوقوف على تفاصيل هذا الأمر التقت (النور) عدداً من المصنعين ومصدّري الألبسة وقد أوضح أحد مصنعي الألبسة (مصنّع ومصدّر لمصر)، في تصريحه لـ(النور) أنه في الحقيقة سيكون هناك ارتفاع بالأسعار على ألبسة الصيف هذا العام، ولكن لا يمكن تخمينه حالياً من حيث نسبة الارتفاع، لأن الأمر يحتاج إلى بعض الوقت للوقوف على التكاليف، ذلك أن ارتفاع الأسعار سيكون مرتبطاً بظروف كل منتج ومتى كانت آخر مرة زاد أسعاره، مقدراً أن ارتفاع الأسعار على الألبسة الصيفية قد يبلغ أقل من 20% كحد وسطي، إلا في حال كان المنتج قد رفع أسعاره أكثر من النسب المحددة.

وعن أسباب ارتفاع أسعار الألبسة الصيفية المحتمل، لفت الصناعي إلى أنها تعود لارتفاع الكلفة بالدرجة الأولى (ارتفاع كلفة المواد الأولية بانخفاض قيمة العملة)، إضافة إلى ارتفاع الأجور الخاصة بالعمال والتي تقوم المعامل بتسديدها بشكل يومي أو شهري.

وأكد أن من أهم الصعوبات التي تواجه عمل صناعة الألبسة عدم استقرار سعر الصرف، مشيراً إلى أن أي شخص لا يزال يعمل في سورية حالياً، وخاصة في مجال صناعة الألبسة، يسعى فقط للمحافظة على مكانه في السوق، بعيداً عن تحقيق الأرباح  خاصة إذا ما علمنا أن معظم الأرباح تذهب للأسف (فروقات بسعر الصرف)، والخسائر مؤكدة ما دام استعادة ثمن البضاعة المصنعة يحتاج إلى وقت لإعادة تحصيلها، وخلال هذا الوقت تختلف قيمة الليرة، مما يعرضنا لخسائر مؤكدة.

وأكد أن الطريق الوحيد لتجاوز هذه المشكلة تتمثل بدعم التصدير، قائلاً: (لولا الأمل لتوقف العمل).

الأسعار سترتفع 80% في موسم الصيف

في حين أوضح مصنّع للألبسة (ولادي ورجالي)، أنه يجري التحضير حالياً لموسم الصيف، مشيراً إلى أن التكلفة مرتفعة كثيراً على معظم مصنعي الألبسة، متوقعاً أن ترتفع أسعار الألبسة الصيفية خلال الصيف الحالي بنسبة 80% وذلك لعدة أسباب أهمها: تذبذب سعر الصرف، وحجز القماش في الموانئ السورية لمدة تجاوزت 3 أشهر، وعدم وجود بديل وطني لها في السوق المحلية، وهذا شمل الإكسسوارات الخاصة بالألبسة إضافة إلى الأقمشة، وخاصة أن كل القماش حالياً مستورد، وجرى تحميلنا تكاليف إضافة (دفع أرضيات) كونها موجودة بالموانئ، عدا قضية العمالة إن وجدت فهي بأجور عالية جداً، والمعامل مضطرة لدفع الأجور العالية للعمال لكي لا يتركوا العمل، مشيراً إلى أنه رغم التوقعات بارتفاع الأسعار 80% خلال الموسم الحالي، إلا أن نسبة الربح التي تبقى للمنتج تعتبر أقل من الصيف الماضي.

مضيفاً: (معظم تجار الألبسة حالياً قاموا بتغيير أسعارهم عن المتفق عليه سابقاً، وبنسب كبيرة، وذلك نتيجة تذبذب سعر الصرف، وهذا أثّر على التكاليف من جهة وعلى أرباحنا من جهة أخرى).

وعن كيفية دعم صناعة الألبسة في سورية، لفت إلى أنه من الضروري جداً دعم استيراد المواد الأولية (قولاً وفعلاً) لأن ما يحدث هو الحديث فقط عن الدعم ولكن لا يوجد شيء على أرض الواقع من هذا الحديث، إضافة إلى أهمية الإسراع في الإفراج عن الأقمشة المحجوزة في الموانئ السورية، لأن معظم الورشات متوقفة عن العمل وتتحمل هذه الورشات تكاليف دون منفعة بسبب دفع الأجرة للعمال إلى أن تبدأ العمل من جديد، موضحاً: (بالنسبة للعمالة أقل خياط أجرته الشهرية لا تقل عن 85 ألف ليرة، وإلا فهو يهدد بأن يترك العمل، إضافة إلى الصعوبات البالغة والواسطات والاتصالات التي نجريها حتى نضمن تأميننا بمادة المازوت وبسعر 240 ليرة لليتر، وهذا الأمر جاء نتيجة الانقطاعات الطويلة للكهرباء).

التصدير إلى العراق

وأكد الصناعي أنه رغم كل الصعوبات المشار إليها، فإننا عازمون على الاستمرار في العمل، لأن العديد من المنازل تعيش من وراء هذا العمل، وسنستمر بالإنتاج إلى أن تذهب هذه الغمة عن بلادنا سورية.

بالمقابل أوضح صاحب شركة محدودة المسؤولية لصناعات الألبسة والمكياجات، أن ارتفاع أسعار الألبسة خلال موسم الصيف الحالي أمر متوقع ولكن ليس بنسب كبيرة، إلا في حال فتح باب التصدير إلى العراق، فعندئذ ربما ترتفع الأسعار أكثر في الأسواق المحلية، مشيراً إلى أنه في حال عدم فتح باب التصدير فإن الارتفاعات قد تقتصر على نسب معينة وذلك وفق تقلبات سعر الصرف فقط.

وأشار إلى أن صناعة الألبسة حالياً تواجه العديد من الصعوبات، أهمها تأمين المواد الأولية وخاصة أن معظمها مستورد ويسعّر وفق سعر الصرف، إضافة إلى صعوبات التصنيع المتمثلة بارتفاع أسعار المحروقات والكهرباء وصعوبة إيجاد اليد العاملة الماهرة وارتفاع أجورها بشكل كبير، عدا صعوبة الاستيراد الخاصة بالمواد الأولية وإجراءاته المعقدة حالياً.

رغم التنزيلات.. الأسعار كاوية

تشهد معظم الأسواق حالياً تنزيلات على الألبسة والأحذية الشتوية، ورغم التنزيلات فهي مرتفعة الثمن مقارنة مع دخل المستهلك، إذ يصل سعر الكنزة الشتوية النسائية بعد التنزيلات إلى 3800 ليرة، وعليها نسبة تخفيض 30 بالمئة، ووصل ثمن بنطال شتوي نسائي إلى8500 ليرة، والكنزة 6 آلاف ليرة، في حين سعر المعطف النسائي يتراوح ما بين 12 ألفاً و18 ألف ليرة، حسب نوعه ومصدره، وطبعاً هذه الأسعار تختلف من سوق إلى آخر ومن منطقة إلى أخرى وذلك حسب ترتيب هذا السوق من حيث عدد النجوم.

وحال ألبسة الأطفال ليس أفضل، فهي بالأصل مرتفعة الثمن، ذلك أن سعر الطقم الولادي يبدأ من 4500 ليرة ويصل إلى 6 آلاف ليرة، وثمن أي كنزة شتوية ولادية يتراوح ما بين 3 آلاف و3500 ليرة، والمعاطف الولادية يبدأ سعرها من 4500 ليرة ويصل إلى 7500 ليرة.

وللوقوف على حقيقة التنزيلات المعلنة، أكد صاحب أحد المحلات التجارية في منطقة مساكن برزة، أن أسعار الألبسة مرتفعة بسبب الارتفاع الكبير في تكاليف الإنتاج، سواء لجهة أسعار الخيوط القطنية أو خيوط الأكرليك، وكل المستلزمات الأخرى، وارتفاع أجور اليد العاملة والنقل، ونتيجة لهذا الارتفاع، فقد خفض التجار نسب أرباحهم في محاولة لتخفيض السعر وزيادة حركة البيع، ولكنه يبقى مرتفعاً قياساً بمستوى دخل المواطن، وهذا ما ينعكس انخفاضاً كبيراً في مبيعاتنا، التي يجب أن تكون في ذروتها هذه الأيام مع دخول موسم التخفيضات واقتراب موسم الصيف).

ما نود الإشارة إليه في نهاية الحديث أن المستهلك على موعد مع أسعار كاوية في موسم الصيف القادم من حيث الألبسة، والمؤشرات الحالية يجب أن تدفع صناع القرار الاقتصادي لإصدار تسهيلات كبيرة في استيراد المواد الأولية الخاصة بهذه الصناعة إضافة إلى أهمية إنعاش المعامل والمصانع التي تصنع المواد الأولية بدلاً من استيرادها، وهذا الأمر يقع على عاتق وزارة الصناعة التي يجب أن لا تتوانى في إحياء شركات الغزل والنسيج، مع أهمية الابتعاد عن المماطلة في إعادة تشغيل هذه الشركات والمعامل، لأن ذلك من شأنه أن يوفر الكثير من القطع الأجنبي الذي يصرفه الصناعيون لشراء الأقمشة والنسيج من الخارج.

العدد 1105 - 01/5/2024