أزمة سوقنا بفعل فاعل

 ما يعيشه المواطن اليوم من معاناة على الصعد والمستويات كافة يصعب تشخيصه، وربما لا نبالغ بقولنا:

إنه لا يمكن لأي صحفي مهما امتلك من أدوات ومهارات مهنية أن يصور حقيقة ما يتكبده مواطننا، وينقلها إلى جهاتنا المعنية بمعالجتها، سواء على صعيد الأسعار وتضخيمها، أم على صعيد المواصلات واستغلال شركات النقل الخاصة وأصحاب السيارات العامة، أم على صعيد تأمين المحروقات من غار ومازوت، فضلاً عن الطمع والجشع لدى المؤجرين المنتهزين للظروف الإنسانية ومسارعتهم لفتح سقف بدلات الإيجار متجاهلين كل اعتبار .

كل ذلك يصعب تصويره ونقله بحيثياته الأليمة لسلطتنا التنفيذية، ولعل خير وسيلة لتستوعب مفاصلنا الحكومية المعنية بتسيير أمور البلاد والعباد، هذه المآسي تتمثل بأن ينزل مسؤولونا – خصوصاً الوزراء، إلى الشارع ويلمسوا بأنفسهم حقيقة ما يتعرض له المواطن من استغلال واضح، ويشاهدوا عن كثب كيف يمضي المواطن أكثر من ساعتين ليحظى بوسيلة نقل تقلّه إلى مكان عمله أو تعود به إلى بيته.

(إضافة إلى دفع التعرفة بشكل مزاجي وتعسفي، وهي باتت عبئاً إضافياً لا يطاق، وأن يدفع سعر ليتر المازوت 135 ليرة فما فوق، و2000 ليرة ثمن أسطوانة الغاز فضلاً عن50 ليرة لربطة الخبز…! لذلك لا خيار إلا أن يتخلى مسؤولونا عن سياراتهم الحكومية يوماً واحد فقط وأن يستقلوا المواصلات العامة وألا يكلفوا أحداً بتأمين مستلزماتهم اليومية ويحاولوا تأمينها بأنفسهم، ربما يدركون بعد ذلك حجم الصعوبات التي تعصف بالمواطنين كل لحظة بلحظة….! وعند ما نواجه أي مسؤول تنفيذي بهذه القضايا فإن أول ما يتذرع به هو(الأزمة) ويؤكد حرصه على المواطن وأنه يبذل قصارى جهده ويوصل ليله بنهاره، تفادياً لأي تقصير قد يحدث، أو يرمي الكرة بملعب جهة أخرى معنية بالموضوع، وربما يضيف قائلاً: المواطن دائماً هو المسؤول الأول والأخير فيما يتعرض له من حالات ابتزاز واستغلال، وعليه ألا يرضخ لهذه الحالات وأن يتمتع بإرادة قوية تحميه وتحصنه من أي تداعيات سلبية….!

متناسياً أن هذا المواطن هو الحلقة الأضعف في معادلة الربح والخسارة، وأن جهاتنا الحكومية حسب زعمها – ملتزمة تجاهه، ومفاصلها الإدارية لاهمّ لها سوى إرضائه والسهر على راحته وتامين حاجاته.

نحن لا ننكر وجود أزمة ألقت بظلالها الثقيلة على جميع مفاصل الدولة، ولكننا نتساءل عن الخطط الحكومية والآليات التنفيذية الكفيلة بالحد منها، وعن الخلية الحكومية المصغرة لإدارة هذه الأزمة، وسنستشهد هنا بأزمة المازوت وانعكاساتها على وسائل النقل والأفران والتدفئة والزراعة وبعض الورش الصناعيةـ إذ تتذرع معظم الجهات المعنية بصعوبة تأمينه وإيصالها إلى المستهلك نظراً لما نمر به من أحداث وما ينجم عن ذلك من إغلاق للطرق وتعرضها لأعمال السلب والنهب. بالمقابل نجد بعض الفعاليات تحصل عليها بطرق وأساليب ملتوية ويسعر مضاعف حسب ما يؤكدون، مما يعني أن المادة تصل إلى جميع المدن والمناطق عن طريق فروع الشركة السورية لتخزين وتوزيع المواد البترولية (ساد كوب) بالسعر الرسمي المحدد 135 ليرة لكنها تباع على قارعة الطريق بسعر لا يعلمه إلا الله وحده وعلى مرأى الجميع.

إن إحجام الموزعين عن بيع المادة بسعرها المحدد يثير الكثير من الشكوك رغم أنهم يجاهرون بسعرهم المضاعف دون مواربة، فمحطات التوزيع لا تعطيهم سوى النزر اليسير من المخصصات نتيجة تواطئها مع كبار المهربين من ذوي النفوذ حيث يجري تصريفها قبل أن تصب في خزاناتها، خاصة أن عيون المواطنين تترقب وصول المخصصات إلى هذه المحطات لحظة بلحظة حتى يحصلوا على احتياجاتهم مرة أو مرتين في الأسبوع.

إن الموزعين الذين يحصلون على المخصصات من فروع الشركة السورية لتخزين وتوزيع المواد البترولية (سادكوب) يحتكرونها بغية بيعها بطريقة أو بأخرى بسعر يتناسب مع شريعة السوق السوداء، مما يعني وجود حلقة مفقودة(أو قطبة مخفية) ما بين الجهة المسؤولة والمستهلك، وهي التي تتحكم بالسعر، وكل ذلك على حساب مصلحة المواطن الذي أصبح غير قادر على مجاراة ما ينتجه نهج الارتباك الحكومي من أزمات. هل يصعب حقاً على الحكومة وضع حد لأولئك المتاجرين بلقمة المواطن وحاجاته الأساسية؟

العدد 1107 - 22/5/2024