التنمية الشاملة وعلاقتها بالوعي المجتمعي

لم تكن ندوة الثلاثاء الاقتصادي التي أقامتها جمعية العلوم الاقتصادية في المركز الثقافي في أبو رمانة  بتاريخ 12/9/2017، بعنوان التنمية الشاملة في مواجهة الإرهاب، مقتصرة فقط على التوسّع في مفهوم الإرهاب وآثاره، بل جاءت في كثير من فقراتها التي قسمها المحاضر الأستاذ بشار المنير عضو جمعية العلوم الاقتصادية، غنية بالكثير من الدراسات والأبحاث الاقتصادية المهمة.

فقد أشار الأستاذ بشار المنير إلى السمات الخاصة للمجتمعات الشرقية التي أظهرت ارتباط الإرهاب بفرض العقائد الدينية بالقوة، لكنها في مجتمعات أخرى اتخذت منحى فرض العقائد الفكرية والسياسية، كما في إيطاليا الفاشية، وألمانيا النازية، والمظهر الأكثر دلالة على السلوك الإجرامي الفظيع للمنظمات الإرهابية، ظهر في الغزو الإرهابي لسورية، الذي حظي بدعم وتشجيع ومساندة من قوى التحالف المعادي لسورية، بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، ومشاركة الدول الأوربية وحكام النفط الخليجيين وتركيا أردوغان.

مشيراً إلى تقرير أعدّته الأمم المتحدة في سورية، نشر منذ أسابيع، أن معظم المقاتلين الشباب الذين يغادرون بلادهم من أجل الانضمام إلى صفوف الجماعات (الإرهابية) في سورية (مبتدئين) في دينهم، وقد استند معدو التقرير إلى مقابلات أجريت مع 43 شخصاً من 12 بلداً.

ويرى المنيّر أن تجمعات الفئات الفقيرة العاطلة عن العمل على الدوام، هي الحاضن الرئيسي للإرهاب الفردي والمنظم، وكانت التنظيمات الإرهابية تنطلق من مدن الصفيح التي كانت تزنّر المدن الكبرى في العديد من الدول، في أوربا وأمريكا اللاتينية، وظهرت كردّ فعل على فقدان الأمان المجتمعي، وزيادة نسبة الفقر والبطالة في هذه التجمعات.

وأضاف: (من مراجعة التجربة السورية مع المنظمات الإرهابية، يتبين لنا أن الحاضن الاجتماعي للإرهاب الذي تستّر بالعقائد الدينية، كان يتركز ضمن الأحياء الأكثر فقراً في المدن، لكن البيئة الأكثر اتساعاً كانت في أرياف المدن الكبرى، خاصة الأرياف التي شهدت تهميشاً من قبل الحكومات المتعاقبة منذ ما بعد الاستقلال حتى يومنا هذا).

ويؤكد ما جاء في تقرير الفقر متعدد الأبعاد في سورية بين أعوام 2001و2009، الذي صدر في عام 2014، ضمن خطة التعاون بين المكتب المركزي للإحصاء، وهيئة تخطيط الدولة في سورية، ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، أن نتائج دليل الفقر على مستوى المحافظات كانت متباينة، وأن الفقر بشكل عام في المناطق الريفية أكثر من المناطق الحضرية، إذ بلغت نسبته 62% في المناطق الريفية، وبينت الدراسة المعدة من قبل برنامج الأمم المتحدة، بالتعاون مع هيئة تخطيط الدولة والمكتب المركزي للإحصاء عام 2004، أن نسبة 11.4% من إجمالي عدد السكان لم يتمكنوا من الحصول على حاجاتهم الأساسية الغذائية وغير الغذائية، كما أن نسبة 30% من السكان أي ما يعادل 5.3 ملايين شخص لم يتمكنوا من تأمين احتياجاتهم الغذائية وغير الغذائية، وتشير التقديرات الواردة في هذه الدراسة إلى أن (ما يقارب 19% من السوريين معرضون لفترةٍ عابرةٍ من الفقر على أقل تقدير).

وقد أشار المنيّر في دراسته إلى المسح الذي أجرته الهيئة السورية لشؤون الأسرة، بالتعاون مع مركز الدراسات الاستراتيجية في جامعة دمشق من خلال استطلاع آراء 1400 عائلة تنتمي إلى جميع محافظات القطر، وكان من نتائج هذا المسح أن 48% من الأسر السورية لا يتجاوز دخلها 15 ألف ليرة سورية، ويتجاوز دخل 31% من الأسر 20 ألفاً، أما نسبة الأسر التي يقل دخلها عن 5000 ليرة، فبلغت نسبتها 4.5%، ويترافق انخفاض الأجور مع ارتفاع نسبة الإعالة، فكل عامل لقاء أجر مسؤول عن إعالة ثلاثة أشخاص آخرين.

مشيراً إلى أن مشكلة ارتفاع الأسعار احتلت المرتبة الأولى بين مشاكل الأسرة السورية، تليها مشكلة الديون المتراكمة، ثم جاءت مشكلات زيادة الضرائب، وارتفاع قيمة الفواتير الشهرية، وارتفاع كلفة العلاج في المشافي والعيادات الخاصة.

وبين المنيّر الأساليب التي تتبعها الأسر السورية الأساليب التالية للتعامل مع الظروف الاقتصادية، إذا إن 81.9% من الأسر تلجأ إلى ترشيد الاستهلاك الدائم، بينما 70% تتبع أسلوب الاستدانة من الآخرين، و55.7% تلجأ إلى العمل الإضافي لتحسين الدخل، بينما يقوم 49.1% من الأسر باستهلاك مدخراتها، وتتأخر نسبة 56.2% عن سداد الالتزامات المالية، 46.5% تعتمد على حرمان أفرادها من بعض الحاجات كالتعليم والسكن اللائق مراعاة للظروف الاقتصادية، 32.8% تلجأ إلى بيع الممتلكات الثمينة.

وقد أفاض المنيّر حول معاناة الأسر السورية، إذ شهد عام 2008 ارتفاعاً لأسعار المواد والسلع الضرورية لمعيشة هذه الأسر، بلغت نسبته نحو60%، إضافة إلى زيادة عدد المتعطلين عن العمل، واتساع بؤر الفقر، وتراجع الإنتاج الزراعي، وارتفعت أسعار جميع السلع والخدمات بنسب تراوحت بين 100 و900%، وفقد نحو3 ملايين مواطن فرص عملهم، وارتفعت نسبة البطالة إلى نحو58%، وحسب المصادر الحكومية والخاصة، فقد بلغ مجمل الخسائر التي تسببت بها الأزمة، من دون الأخذ بالحسبان خسائر المواطنين، نحو350 مليار دولار.

معاون وزير الإدارة المحلية صرح مؤخراً بأن قيمة الأضرار المباشرة التي لحقت بالممتلكات العامة والخاصة في سورية حتى نهاية عام 2016، تقدر بنحو 7.360 تريليون ليرة سورية (الدولار يعادل حوالي 520 ليرة) في حين تقدر الأضرار غير المباشرة بـ 36.540 تريليون ليرة سورية.

يقول المنيّر: (لقد تبين بشكل جليّ أن رؤية مسؤولي الاقتصاد السوري في الحكومات السابقة للأزمة لم تكن تسعى إلى تنمية اقتصادية واجتماعية شاملة، تُحدث نقلة نوعية في حياة السوريين)، ويضيف أن الأمر يتطلّب خطة حكومية محكمة، ومرنة في آن معاً، والأوليات الضرورية لإنهاضه، ومشاريع الإنشاء أو الإصلاح للبنية التحتية التي يحتاجها، وذلك ضمن برنامج زمني شبكي يتقاطع مع المشاريع الأساسية والخدمية الضرورية لجميع القطاعات الأخرى.

وأضاف المنيّر: (نحن نرى أن إعمار ما تهدم لن يتحقق بالاستناد إلى سياسات اقتصادية كانت السبب في تحجيم قطاعاتنا المنتجة، وفي إثارة غضب الجماهير الشعبية، بل يتحقق بعد توافق السوريين على نهج اقتصادي تنموي، تعدّدي، استناداً إلى خطة مركزية حكومية، يساهم فيها القطاع الخاص والرساميل الوطنية)

مشيراً أن تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية استناداً إلى نموذج اقتصادي تنموي تعددي، سيمارس تأثيره البنى الاقتصادية وقطاعات الإنتاج، أو في التبديل الجذري للأوضاع الاجتماعية والمعيشية، لجماهير الشعب السوري، وستمتد مفاعيله إلى الأوضاع السياسية في البلاد، وأن عملية الإعمار تتطلب توفُّر مصادر داخلية لتمويلها بالدرجة الأولى، وهذا يعني، حسب ما نرى، أهمية إنعاش الاقتصاد السوري كي يحقق التراكم الداخلي القادر على التمويل.

 

العدد 1107 - 22/5/2024