التحكّم المرن… عمل جادّ نحو تبسيط الإجراءات الاقتصادية وتسريعها

يكتسب العامل الاقتصادي أهمية كبيرة في مواجهة الحرب الكونية الظالمة التي تشن على سورية، فالعدو يحارب على جبهتين: الأولى العسكرية والثانية اقتصادية لا بل إن الحرب الاقتصادية بدأت قبل الحرب العسكرية منذ أن بادرت دول العدوان بفرض عقوباتها الاقتصادية ومحاولتها الدائمة لمحاصرة سورية اقتصادياً واستخدام الإرهاب لتدمير بنيتها التحتية الاقتصادية بشقّيها الصناعي والخدمي، نذكّر هنا بالتدمير الممنهج والسرقة العلنية للمدينة الصناعية في مدينة حلب، وآبار النفط في شمال البلاد وشرقها، والاعتداءات المتكررة على محطات توليد الكهرباء ومصادر المياه وشبكاتها.

إن تمتين الجبهة الاقتصادية في ظل ظروف اقتصادية استثنائية يتطلب إيجاد أفكار وحلول استثنائية، فأدوات السياسة الاقتصادية التقليدية المستخدمة في الظروف العادية لا تجدي نفعاً في معالجة اقتصاد الأزمة، والمؤشرات وأدوات التوجيه والاسترشاد الاقتصادي العادية لا تعطينا الصورة الصحيحة عن الوضع الاقتصادي.

انطلاقاً من هذا الواقع طرحنا فكرة (اقتصاد التحكّم المرن)، أسلوباً جديداً للتعامل مع الوضع الاقتصادي، وهو من ناحية، أسلوب مستوحى من تجارب دول عانت من حالة الحرب والتدمير الكامل لبنيتها الاقتصادية، وبالأخص تجربة اليايان وألمانيا، ومن ناحية ثانية يراعي الخصوصية للوضع الاقتصادي السوري وتجاربه السابقة. والمقصود باقتصاد التحكّم المرن هو (التحكّم نقيضاً لليبرالية الاقتصادية المتطرفة، أي أن تعيد الدولة إحكام قبضتها على التوجيه والتخطيط الاقتصادي وتستعيد دورها الإنتاجي، فالدول في حالات الأزمة تضع الليبرالية الاقتصادية جانباً. وهو من ناحية أخرى (مرن)، نقيضاً للتعقيد والعرقلة والروتين، ويستخدم الوسائل اللينة في توجيه القطاع الخاص نحو هدف يلائم وضع الأزمة ترسمه له  الدولة.

وفي اقتصاد التحكّم المرن تحدّد أدوار كل من القطاع العام والقطاع الخاص على الشكل التالي:

القطاع العام يتولى دور (الإنتاج المكثف)، ومن خلاله يجب تسخير إمكانات الدولة كافة باتجاه إنتاج المواد الغذائية الأساسية للمواطن (الدواجن- البيض- اللحوم- الألبان ومشتقاتها- الزيوت- الخبز)، بشكل مكثف، وإخراج هذه المواد من معادلة الربح والخسارة، ويتحقق ذلك من خلال البناء على البنية التحتية الإنتاجية الموجودة حالياً (مؤسسات وشركات الدولة الإنتاجية التابعة لوزارة الصناعة وإدارة المشاريع الإنتاجية وأي جهة إنتاجية حكومية أخرى) والتوسع في هذه البنية الإنتاجية، بإنشاء خلايا إنتاجية جديدة.

ووسيلة التحكّم هنا هي الموازنة العامة للدولة وإعدادها بما ينسجم وهذا الهدف، وخاصة الشق الاستثماري منها.

إن تطبيق اقتصاد التحكّم المرن من حيث وضع الأهداف والدفع باتجاه تحقيقها وتوزيع الأدوار بين القطاعات وتسهيل عملها يحتاج إلى إدارة اقتصادية ذات كفاءة عالية وقدرة وجرأة على اتخاذ القرار، وعمل جاد نحو تبسيط وتسريع وتسهيل الإجراءات والمعاملات الاقتصادية، وهذا ما نتوخاه ونأمله من حكومتنا الجديدة متمنين لها كل التوفيق.

محمد رويم

 

العدد 1107 - 22/5/2024