الدولار ولعبة القط والفأر

 استأثر الانخفاض الكبير والسريع في قيمة الدولار مؤخراً باهتمام كل شرائح السوريين من صناعيين وتجار ومواطنين عاديين، نظراً لسرعة هذا الانخفاض ونسبة انخفاضه الكبيرة التي وصلت إلى حوالي 12% دفعة واحدة.

الإرباك الذي حصل في السوق سببه الارتباطات المعقودة بين الصناعيين والتجار والمصدرين والمستوردين حول قيمة الدولار المعتمد في هذه العقود والاتفاقيات والأسعار المصرح عنها في إجازات الاستيراد والتصدير. ولم يكن المواطن العادي بمنأى عن هذه الصدمة سواء من مدخراته بالدولار أو من خلال قيمة الحوالات التي تأتيه من أفراد أسرته خارج سورية، لتساعده في مواجهة حالة الغلاء الشامل الذي تعيشه البلاد، وعدم تراجع أسعار المواد في السوق المحلية بشكل يتناسب مع الانخفاض الذي تحقق بقيمة الدولار في الفترة السابقة.

نشطت التصريحات الرسمية وغير الرسمية، بما فيها تحليلات الخبراء والمختصين لتفسير أسباب هذا الانخفاض السريع والكبير، وقدمت شروحات عديدة شملت تحسن الأوضاع الأمنية، والتقدم المتوقع في الجهود الدبلوماسية لتسوية النزاع في سورية وعليها، وعودة الإنتاج والتصدير والأموال من الخارج، ولم تخلُ تلك التصريحات وخاصة الرسمية من اعتبار هذا التخفيض تنفيذاً للغة الوعيد والتهديد التي أطلقت مؤخراً تجاه من جرت تسميتهم بالمحتكرين من المستوردين والمتلاعبين في سوق الصرف غير النظامية.

الأسباب والتحليلات التي قدمت لشرح هذا الانخفاض الكبير، ومن ضمنها ما ورد في البيان الصحفي الذي صدر عقب اجتماع رئيس مجلس الوزراء والوزراء المعنيين مع ممثلي الصناعيين والتجار والمصدرين، لا يمكن رفضها أو إنكارها بالمطلق، لكن السؤال الذي يُطرح هنا: هل ما تحقق فعلاً كان نتيجة هذه الأسباب فقط أم أن هناك أسباباً أخرى كان لها أيضاً دور بارز بهذا الشكل أو ذاك؟

هناك مجموعة أمور تدفع لعدم استبعاد التفسير الثاني الإضافي، لأن المستجدات الإيجابية قد تحققت قبل فترة بسيطة، وليس من المعقول أن تثمر نتائجها بهذه السرعة وبهذا الشكل، آخذين بالاعتبار اعتماد مبلغ 500 ليرة سورية للدولار في موازنة عام ،2018 ونصائح البنك المركزي المواطنين العاديين بعدم تصريف مدخراتهم من القطع الأجنبي، لأن هناك من يريد شراءها بسعر منخفض ليقوم ببيعها لاحقاً بسعر أعلى وفق اللعبة التي شهدناها منذ بداية الأزمة والمتمثلة بتخفيض بسيط يتبعه ارتفاع كبير.

والنقطة الثانية ، بغض النظر عن تصريحات البنك المركزي التي تنفي ذلك ، أن حركة السيولة بالليرات السورية في المصارف الحكومية والخاصة وشركات الصرافة كانت مقيدة بشكل واضح، والشاهد على ذلك التقييد هو الاعتذار عن صرف الدولار، وحتى عن صرف الشيكات بالليرات السورية بمبالغ كبيرة، وتخفيض كمية الدولارات التي يجوز للمواطن العادي صرفها إلى 100 دولار فقط وغير ذلك.

أما النقطة الثالثة فهي ما يدور الحديث عنه حول وصول كميات جديدة من الليرات السورية الجديدة التي تمت طباعتها مجدداً وسيتم طرحها في السوق قريباً. وهذا ما يدفع إلى الاعتقاد بأن ما يجري الآن هو لعبة القط والفأر بين البنك المركزي وتجار العملة.

ان للغالبية العظمى من السوريين مصلحة في انخفاض سعر صرف الدولار، لأن ذلك يساعد على تحسين القدرة الشرائية لليرة السورية، وتحسين المستوى المعيشي للمواطنين في ظل الغلاء الفاحش الذي يعانون منه، وفي الوقت ذاته يشجع على إعادة التشغيل والإنتاج والتصدير، الأمر الذي يتطلب مراجعة مشتركة لما تحقق، والعمل على استقرار سعر الليرة ضمن هامش بسيط معين لفترة محددة، بما يجنّب المواطنين والفعاليات الاقتصادية الآثار السلبية للتخفيض السريع والكبير ونتائج هزات لعبة القط والفأر التي ستضر الجميع.

العدد 1105 - 01/5/2024