النهج التنموي ودوره في العودة الاقتصادية

عقدت جمعية العلوم الاقتصادية- فرع اللاذقية، برئاسة الدكتور سنان علي ديب، أولى ندواتها لهذا العام، تحت عنوان النهج التنموي ودوره في العودة الاقتصادية، في المركز العربي الثقافي بتاريخ 9/1/2018 حضرها شخصيات اقتصادية وسياسية وثقافية.. افتتحت الندوة بالوقوف دقيقة صمت تقديراً لأرواح شهداء سورية الأبرار الذين رووا بدمائهم. الطاهرة أرض سورية دفاعاً عن حريتها واستقلالها وسيادتها وكرامة شعبها.

أوضح الدكتور سنان أن الهدف من الندوة طرح أفكار وتصورات وآراء اقتصاديين وأكاديميين من أساتذة وطلاب ومسؤولين في الشأن الاقتصادي، ومناقشتها مع القوى الفاعلة في المجتمع السوري، لوضع نهج اقتصادي واحد يحدد الهوية الاقتصادية خلال مرحلة ما بعد الأزمة معتبراً أن (النهج الاقتصادي المتبع خلال العقد المنصرم لعب دوراً مهيّئاً في انطلاقة الأزمة الحالية) وداعياً إلى توفير آليات تلزم منظومة السوق بالعمل لصالح المجتمع، والتركيز على تحقيق التنمية المستدامة بكل أبعادها وربطها بالمؤشرات الاقتصادية، والجمع بين كفاءة السوق وتحقيق العدالة الاجتماعية والإنصاف في توزيع الثروات.

ورأى ديب أن النهج الاقتصادي في المرحلة القادمة يحتاج إلى تحقيق الأمن والاستقرار، لتمكين المنظومات الاقتصادية من ممارسة دورها الفعال، وتطبيق التشاركية بين القطاعين العام والخاص، ومكافحة الفساد ببرامج واضحة ومعلنة. وأشار إلى أن مواد الدستور الحالي لم تحدد هوية الاقتصاد والنهج على اعتبار كنا نحاول تطبيق التجربة اليوغسلافية في التحويل الاشتراكي. وتحدث عن ضرورة نبذ صيغ اقتصاد السوق القادمة من الخارج، والوصول إلى اقتصاد يستنهض الطاقات الموجودة في المجتمع السوري، وتوسيع المساءلة والمحاسبة عن المتسببين بالوضع الراهن، ومعالجة ظاهرة تغييب مناهج الفكر الاقتصادي عن كليات الاقتصاد.

وقال الرفيق عبد الرزاق الدرجي (عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوري الموحد): يفترض أن يستند النهج الاقتصادي المستهدف إلى منظومة اقتصادية سياسية اجتماعية متكاملة تأخذ المؤشرات والمعايير الاقتصادية للتنمية (معدلات نمو مرتفعة،  مستوى مرتفع لإنتاجية عناصر الإنتاج، مستويات مرتفعة للعائد والربحية، نمو متواصل بمتوسط نصيب الفرد من الدخل القومي)، إلى جانب المؤشرات والمعايير الاجتماعية للتنمية (العدالة الاجتماعية، والإنصاف والأمن والتماسك الاجتماعي كمكونات لرأس المال الاجتماعي)، وتجمع المنظومة الاقتصادية أو النهج الذي ينبغي اعتماده بين أسس الكفاءة الاقتصادية ومعاييرها، وفعالية السوق ومرونته، بالاستخدام الأمثل للموارد لتحقيق الرفاهية المادية، من خلال الأخذ بقوانين السوق: قوى العرض والطلب وحرية التملك والنشاط الاقتصادي وإتاحة المعلومات والفرص أمام الجميع والشفافية وتوفير البيئة التنافسية والشفافية والحد من الاحتكار، من جهة، ومن جهة ثانية: الإنصاف والعدالة في توزيع الثروات والدخول وتأمين شبكات الأمان والحماية الاجتماعية عبر تدخل الدولة الفعال وردعها للاحتكارات وتدخلها عبر قنوات وتوزيع وإعادة الدخول، لضمان الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي والسياسي لتجنب إخفاقات السوق في تحقيق الاستقرار والتوازن، وتجنب إخفاقات التخطيط المركزي في تحقيق المرونة في الاستخدام الأمثل للموارد في تحقيق معدلات نمو عالية.  وهنا نتذكر مقولة ذات دلالة هامة لرئيس أكبر مصرف ألماني- الدويتشة بنك- هيرمان جوزيف آبس عام 1973 عندما كانت ألمانيا تنتهج اقتصاد السوق الاجتماعي بكل أبعاده: (إن أهمية الربح بالنسبة للمشروع هي مثل الهواء الذي يستنشقه الإنسان، ولكن كما أن الإنسان لا يعيش من أجل استنشاق الهواء فقط، كذلك لا يعمل المشروع من أجل تحقيق الربح فقط). مع ملاحظة أن اقتصاد السوق الاجتماعي هو فكرة ألمانية وتوقف العمل بهذا النظام في عام 1989. وتحدث الرفيق عبد الرزاق عن مسألة دور الدولة، إذ تتطلب منظومة اقتصادية بالمواصفات المذكورة دولة قوية، إلا أنها ليست بالضرورة الدولة التي تتملك وتنتج، وإن كان يجب أن تمتلك وتدير المشاريع الإستراتيجية ذات الصلة بالسيادة الوطنية وبالأمن القومي، بل الدولة التي تمتلك مؤسسات فاعلة وأدوات الضبط والتدخل المستمر وتستخدم مفاتيح التحكم السياسات الاقتصادية والمالية والنقدية بفاعلية. وتابع: عند التفكير بالنهج الاقتصادي وبالسياسات والبرامج التي ستترجم هذا النهج واقعاً على الأرض يجب أن ننطلق من المشاكل الكبرى التي يعاني منها الاقتصاد والمجتمع السوري، ومنها:

1- مشكلة إعادة البناء بمنظور تنموي، ومشكلة المهجرين واللاجئين التي ستمتد لسنوات إن لم يكن لعقود مع ملاحظة محاولة الخروج من كل المفاعيل السلبية لمشروع مارشال بعد الحرب العالمية الثانية، وذلك للتشابه الكبير بين مشروع إعادة الإعمار ومشروع مارشال.

2- التفاوت الصارخ في توزيع الثروات والدخول والفرص.

3- التفاوت الكبير في المستويات التنموية بين المناطق والأقاليم.

4- مشكلة اقتصاد الظل، الذي قدّر بـ40 بالمئة من الناتج المحلي قبل الأزمة، وتفاقمت مشكلة اقتصاد الظل بشكل كبير مع الأزمة.

5- مشكلة الفساد واستحواذ بعض شبكاته على بعض أجهزة الدولة.

6- مشكلة الإخفاق المؤسساتي وآلية عمل مؤسسات الدولة.

7- الفقر والبطالة وخلق فرص العمل والتشغيل.

وفي الختام أكد الدكتور سنان أهمية مفهوم التشاركية بمعناه الواسع، إذ تبرز في هذه المرحلة معالم التكامل بين الاقتصاد والاجتماع والسياسة، وستجري دراسة وإظهار العوامل التي ظهرت وتفاقمت أثناء الأزمة، لاستبعادها أو الحد منها، ولا سيما تلك التي ساهمت في تفاقم مشكلة الركود التضخمي، إضافة إلى التركيز على المفصل الرابط بين الاقتصادي والاجتماعي، بحيث يصبح الاقتصاد وسيلة لتحقيق رفاهية المجتمع على مبدأ تكافؤ الفرص بين الجميع، وسيكون توسيع الطبقة الوسطى من أهم الأهداف، لأنها أصبحت شبه غائبة في المجتمع السوري وسيكون ذلك واحداً من أهم معايير الحكم على مدى النجاح في تحقيق أهداف هذه المرحلة.

 

العدد 1107 - 22/5/2024