التشريع الضريبي.. هل آن الأوان؟

 صرح وزير المالية منذ أيام أن لجاناً متخصصة تدرس إعادة النظر بالتشريعات الضريبية، وأن هذه اللجان مُنحت فترة ستة أشهر كي تضع اقتراحاتها لعرضها على الحكومة. المرحلة التي تمر بها بلادنا تتطلب تشريعات ضريبية جديدة تأخذ بالحسبان الأولويات الاقتصادية والاجتماعية، وتنحو باتجاه العدالة بين فئات الشعب السوري، خاصة بعد معاناة الفئات الفقيرة والمتوسطة خلال سنوات الجمر السبع.

إننا نرى أن التشريع الضريبي اليوم ليس وسيلة لجني الإيرادات العامة فقط، بل هو أيضاً أداة بيد الدولة لتنفيذ سياساتها الاقتصادية والاجتماعية، إذ تتولى الدولة إنفاق هذه الإيرادات لتحقيق التنمية المستدامة، وتلبية طموحات جماهير الشعب السوري.

ونبين فيما يلي كيف لعبت التشريعات الضريبية منذ عام ،2000 دوراً أساسياً في دعم رؤية مسؤولي الاقتصاد في تحويل الاقتصاد السوري من اقتصاد موجّه تقوده الدولة، إلى اقتصاد تقوده آليات السوق، رغم التسميات المختلفة التي أطلقت عليه.

منذ إعادة هيكلة الاقتصاد السوري وفق اقتصاد السوق في بداية القرن الجديد، جرى سنّ التشريعات المحفزة للاستثمارات الوطنية والأجنبية، وكان تخفيض العبء الضريبي أبرزها، وأكثرها نجاعة- حسب رؤية مسؤولي الاقتصاد آنذاك – علماً أن حوافز أخرى كاستقرار الأوضاع الداخلية، وفعالية قوانين الاستثمار، وتأمين البنية التحتية، تمارس في كثير من الأحيان تأثيرها الإيجابي على زيادة تدفق الاستثمارات، أكثر مما تمارسه القوانين الضريبية. وهكذا انخفض الحد الأعلى لضريبة الأرباح بموجب تشريعين ضريبيين، من نحو 75% إلى 28 %، أما للاستثمارات المشمّلة بقوانين الاستثمار فانخفضت هذه النسبة إلى نحو 16%، وللشركات المساهمة التي تطرح أسهمها على الاكتتاب العام إلى  14%، رغم الظروف الصعبة التي واجهها الاقتصاد الوطني آنذاك، والمتمثلة داخلياً بتراجع الإنتاج النفطي، وارتفاع فاتورة الدعم  الحكومي من 95 مليار ليرة سورية في عام   ،2004 إلى 183,5 مليار ليرة عام  ،2006 وانخفاض الدخول الحقيقية لجماهير الشعـب، وخارجياً باستمرار حملات الضغط  السياسي والاقتصادي  على البلاد. (1)

لابد لأي بلد يسعى إلى تنمية اقتصادية واجتماعية شاملة من اتباع سياسة ضريبية توازن بين تشجيع القطاع الخاص المنتج على زيادة مساهمته في عملية التنمية من جهة، وزيادة الإيرادات العامة بهدف إعادة توزيع الدخل الوطني من جهة أخرى. والخطورة تكمن في عدم توازن السياسة الضريبية في بلد مثل سورية التي انخفضت في موازناتها عـائدات النفط إلى نحو 23%، وكـذلك الفوائض الاقتصادية إلى نحو17%، فهي بحاجة إلى إيرادات ضريبية تصـل إلى 60%، وإلاّ ظهـر العجز في هذه الموازنات.

لقد جاء في بيان وزارة المالية حول موازنة عام 2007- على سبيل المثال –  أن مساهمة القطاع العام في الإيرادات الجارية (الضرائب المباشرة وغير المباشرة والرسوم المختلفة) تبلغ 38% ،أما القطاع الخاص فتبلغ مساهمته 62%، ويدخل في بند القطاع الخاص هنا جميع المواطنين السوريين،أما ضريبة الدخل على أرباح الأفراد والشركات الخاصة التجارية والصناعية والاستثمارية التي لم تحدد وزارة المالية حجمها، فنعتقد أنها لا تتجاوز 60  مليار ليرة،أي بنسبة لا تتجاوز 18,6 % من إجمالي الإيرادات الضريبية ، وهي نسبة ضئيلة لا تتناسب مع مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي الإجمالي البالغة 68%،إضافة إلى انخفاض حصيلة الضرائب بشكل عام في سورية نسبة إلى الناتج الإجمالي، إذ بلغت 17% بينما تبلغ  37 % في السويد، و 49% في الدانمرك، و21,1 % في المغرب و 19,6% في الأردن لعام 2007 .

إن الضريبة غير المباشرة، ورسم الإنفاق الاستهلاكي والرسوم الأخرى، حصيلتها وفيرة، لكنها، باعتراف جميع المفكرين الاقتصاديين، بعيدة عن العدالة، وقد بلغت حصيلة هذه الضريبة نحو 184 مليار ليرة  في موازنة عام ،2007 ويثير فرض رسم الإنفاق الاستهلاكي الكثير من التحفظات حول عدالته من جهة، وحول مطارحه من جهة أخرى، فما كان في الماضي مطرحاً  لهذا الرسم باعتباره خدمة كمالية أو ترفيهية، أصبح اليوم من متطلبات الحياة الأساسية، كالهاتف الثابت أو الجوال واقتناء السيارة الشعبية وارتياد المطاعم، وخدمات أخرى يتساوى في طلبها الفقير والغني، لذلك نرى من العدل بمكان إلغاء هذا الرسم على المطارح التي تخص الفئات الاجتماعية الأقل دخلاُ، وزيادته على المطارح التي تخص الأثرياء وحدهم كتشييد القصور، وشراء السيارات الفاخرة التي يساوي ثمن الواحدة منها ثمن خمسين سيارة شعبية.

إن الضرائب غير المباشرة التي تُفرض على المواطن، وعلى القطاعين العام والخاص، تشكل ما نسبته 61% من مجمل الحصيلة الضريبية، وهو بوضعه الحالي لا يحقق العدالة.

القطاع الخاص بجميع فئاته استفاد من هذا تخفيض العبء الضريبي، وارتفعت مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي من نحو 65% عام 2004 إلى 68% في عام ،2009 وشهدنا زياد أرباح وتنامي ثروات ممثلي هذا القطاع، لكن مساهمته في الإيرادات الضريبية ارتفعت من 112 إلى 119,5 مليار ليرة سورية فقط خلال الفترة نفسها! وهي لا تتجاوز في أحسن الأحوال 8% من الناتج المحلي الإجمالي! (2).

 إن تخفيض معدل الضريبة هو السبب الأبرز في تواضع مساهمة ضريبة الأرباح المباشرة في إجمالي الإيرادات الضريبية، لكنه ليس السبب الوحيد، فالتهرب الضريبي، وتخلف وسائل التحصيل، والفساد، تساهم أيضاً في تواضع هذه المساهمة، وقد صرح الدكتور راتب الشلاح (رئيس غرفة التجارة السابق) بأن (التشريع الضريبي الجديد أكبر إنجازات الإصلاح، إذ كانت نسبة الضريبة تخضع للمساومة بين المكلف وموظفي المالية، وكان الضعيف يدفع الرقم الحقيقي، بينما القوي والقادر يتهرب من دفع الضريبة). (3)

مديرا الدخل والاستعلام الضريبي في وزارة المالية أكدا لصحيفة تشرين بتاريخ 23/10/،2005 (وجود فئة من المستوردين الوهميين وتجار الصفقات الذين يعملون بأسماء غيرهم من الناس البسطاء وبعض العاملين لديهم، وذلك بقصد التهرب من الضرائب، وأن تلك الممارسات فوتت على الدولة مبالغ تقدر بحوالي 200-300 مليار ليرة سورية). 

قدّمنا لمحة موجزة عن دور التشريعات الضريبية في الماضي في تنفيذ السياسات الاقتصادية للحكومات المتعاقبة، التي أعادت هيكلة الاقتصاد السوري وفق اقتصاد السوق، ولا نعلم اليوم أيَّ سياسات اقتصادية ستخدم التشريعات الضريبية الجديدة.

*************

المراجع

1 –   العرض  الاقتصادي للحكومة في اجتماع  فروع الجبهة  الوطنية التقدمية كانون الأول 2006  .

2 – المجموعة الإحصائية عامي 2004و2009 .

3 –  صحيفة الثورة الصادرة بتاريخ 6/12/  2006

العدد 1105 - 01/5/2024