المخطط التنظيمي لمدينة اللاذقية

 بعد سنوات من محاولات الإصدار ومحاولات قمع المخالفات ومئات الدعاوي على المواطنين ومتعهدي البناء، وإعفاء أكثر من مهندس بتهمة التقصير الوظيفي، والكثير من الشكاوي والاعتراضات يبدو أن اللاذقية في طريقها إلى التنظيم..

في عام 1984 شُكّلت لجنة ضمن المحافظة، وبالتعاون مع الشركة العامة للدراسة والاستثمارات الهندسية، لإصدار المخطط التنظيمي. الشركة التي كان يُفترض أن تصدره في عام 2001 تأخرت وأصدرته في ،2008 والتأخير كان لأسباب مجهولة تقع على عاتق الجهتين. ردود الفعل الأولى على المخطط لا تحمل بشائر بالخير، فالـ 11 ألف و500 مواطن المعارضين للمخطط القديم.. لم تتغير وجهة نظرهم عند الاطلاع على المخطط الجديد، إضافة إلى معارضة عدد كبير من أعضاء المجلس البلدي.

أكثر من 65% من الاعتراضات كانت على مناطق المخالفات الجماعية، و25% من الاعتراضات جاءت على المناطق الزراعية والخضراء، خاصة من اتحاد الفلاحين والزراعة وبعض المواطنين، والنسبة الباقية كانت على المخطط السابق والتنظيم على بعض القضايا السكنية داخل المدينة بالمجمل.

وبعد دراسة الاعتراضات جرى تشكيل لجنة أخرى لدراسة الإجراءات التي يجب اتخاذها بسرعة بما يتوافق مع رؤية المواطنين، من أجل أن تؤخذ بعين الاعتبار كل هذه الاعتراضات.. قالوا إنهم سيأخذون الاعتراضات بعين الاعتبار.. لكن (عين الاعتبار) لم تكن كبيرة بالشكل المطلوب!

بداية لابد من الإشارة إلى أن القوانين الجارية لتنفيذ التنظيم في القطر (حتى صدور القانون رقم 23 لعام 2015) هي قانون تقسيم وتنظيم وعمران المدن رقم 9 لعام ،1974 وقانون الاستملاك رقم 20 لعام ،1983 والقانون رقم 60 لعام ،1979 المعدل بالقانون رقم /26/ لعام 20000.

القانونان 9 لعام ،1974 و20 لعام 1983 يطبقان في مناطق القطر كافة ، أما القانون رقم 60 لعام 1979 المعدل بالقانون رقم 26 لعام 2000 فيطبق فقط في مدن مراكز المحافظات.

ومنذ صدور القانون رقم 60 لعام 1979 منع مالكو العقارات غير المفرزة والواقعة ضمن المخطط التنظيمي للمدينة من حرية التصرف بعقاراتهم، إذ كانت تُستملك بأسعار زهيدة جداً لا تزيد عن نسبة بسيطة جداً من السعر الحقيقي للأرض، مع ما صاحب ذلك من فساد وإثراء للبعض على حساب آخرين. ولقد عانى المواطنون مالكو العقارات الكثير من الظلم والإجحاف، وعند صدور القانون رقم 26 لعام 2000 المعدل للقانون رقم 60 المذكور فقد ضمن حق البعض بشكل جزئي إلا أنه لم يحقق العدالة بين المواطنين، كما أنه ترك الأراضي المفرزة والمبنية بشكل مخالف (مخالفات جماعية) لأصحابها، وأتى على الأراضي غير المفرزة وغير المبنية (ممن تمنّع أصحابها عن مخالفة القانون بالإفراز والسماح بالبناء المخالف) فوجّه لاستملاكها.

لدى حساب ما سيعود للمالك من عقاره بعد تطبيق القانون رقم 26 عليه (في المنطقة الوحيدة المستملكة وفقه) تبين أنه لا يتجاوز 14% من مساحة عقاره، في حين سمح في مناطق المخالفات الجماعية بتطبيق الباب الأول أو الثاني من القانون رقم 9 لعام 1974 عليها، وبذلك سيذهب للملك العام ما بين الثلث والنصف، والباقي يكون للمالك، أي أنه بطريقة ما شرعن مكافأة المخالف ومعاقبة الملتزم بالقوانين والأنظمة! وقد أشير إلى هذا التناقض، في كل المؤتمرات وورشات العمل التي نظمتها وزارة الإسكان أو وزارة الإدارة المحلية.

عن الجديد في القانون 23 لعام 2015

وصل عدد الاعتراضات على المخطط التنظيمي لمدينة اللاذقية إلى رقم خيالي: 13147 اعتراضاً في هذه المدينة الصغيرة اللاذقية.. وعلى خلفية هذا الرقم هناك احتمالان: إما أن الإبهام والغموض الذي لفّ المخطط التنظيمي العام والتفصيلي باعتراف الآلاف – هو وراء ارتفاع هذا العدد.. وهذا مأخذ على الجهة الدارسة والمدققة والعارضة، لعدم قدرتها على توضيح التفاصيل أصولاً! أو أن الاعتراضات صحيحة ومحقة.. الاحتمالان متداخلان بطريقة تشير إلى أن المخطط الذي انتظرنا ولادته المتعثرة أثار موجة عارمة من التساؤلات والخوف من مستقبل مجهول ينتظر الآلاف، إذا لم يُعَد النظر فيه ودراسته لتحقيق التوازن بين الاستثمار ومنفعة المواطن.. والمواطن أولاً.

آراء المواطنين بالمخطط

جميع المواطنين الذين التقيناهم وسألناهم عن المخطط التنظيمي أجمعوا على أن المخطط الذي عُرض في بهو البلدية كان غامضاً، فلا أرقام للعقارات عليه بشكل واضح ومفصل، ولم يلاحظوا وجود مخطط تفصيلي. وبما أن (الدعاتير) تضم المساحة الأكبر، وكذلك عدد السكان، بين مناطق المخالفات (الزقزقانية، الحمام بسنادا المشاحير، حي القدس، حي علي حمال، الأزهري) فقد كانت لها حصة الأسد في رفع عدد الاعتراضات، وظهرت شكاوى جماعية من السكان بعد ما وصل إليهم من أنباء عن تنظيم مناطقهم وما سيخلفه التنظيم من أضرار وجور وظلم، ولا سيما أن السكان معظمهم من العمال والكادحين، وتساءلوا باستغراب: هل يعقل أن يخصص للدعتور في المخطط 23 حديقة؟ وما مسوغ إحداث هذا العدد الكبير من الحدائق التي قد تؤجّر لاحقاً، كما حصل لحدائق أخرى في المدينة، على حساب تهجير أصحاب بعض البيوت، رغم توفر حديقة (البارك الشمالي) بمساحة 500 دونم؟ وسوف يحوّل قسم كبير منها إلى سكن بقرار من البلدية؟؟ وهل يعقل أن يبنى في الدعتور 17 مدرسة رغم أن عدد المدارس الحالية فيه 7 مدارس تكفي لاستيعاب أبناء الحي مستقبلاً نظراً للظروف المعيشية وتنظيم الأسرة وتحدد النسل، فضلاً عن مدرستين شبه شاغرتين في الحي اليوم؟!! وهل يعقل أن تشق في بيوت الحي أربعة أوتسترادات؟ وهناك إمكانية للاكتفاء باثنين ينصفان الحي مع شوارع فرعية تصل ما بينهما وتسهل حركة المرور مهما تكثفت مستقبلاً، من دون إلحاق الضرر بالمنازل القائمة حالياً، ولاسيما أن الطرق في المخطط رسمت من دون لحظ الطرق القائمة على أرض الواقع للاستفادة منها؟

وقد عبر مواطنون من حي الأسد (دمسرخو) سابقاً عن تخوفهم من نتائج تنفيذ المخطط على أراضيهم الزراعية، ومن ذلك عدم السماح لهم بالبناء..

والأن أصدر وزير الأشغال العامة والإسكان المهندس حسين عرنوس بتاريخ 14/8/2016 قراراً يقضي بإصدار المخطط التنظيمي لمدينة اللاذقية، وأوضحت وزارة الأشغال في بيان لها  أهمية إصدار هذا القرار لأنه أحد أهم الأساليب لتوفير مقاسم معدة للبناء في مدينة اللاذقية، مما يشكل حلاً أساسياً لأزمة السكن وتوفير مساكن بمظهر حضاري ولائق في المحافظة. ويتيح صدور المخطط لمجلس مدينة اللاذقية المباشرة بإعداد الدراسات التنظيمية التفصيلية لمناطق المخالفات الجماعية ومعالجتها وفق أحكام القانون 23 لعام 2015 وإعداد المخططات التنظيمية التفصيلية لمناطق التوسع، وهذا من شأنه تهيئة الأرض لتصبح معدة للبناء.

وكشف السيد المحافظ إبراهيم خضر السالم- خلال لقائه في مبنى نقابة المهندسين أعضاء فرع النقابة وشعبة المكاتب الهندسية الخاصة- أن للمخطط التنظيمي في المحافظة أولوية في العمل، ذلك أنه أُرسل إلى وزارة الإدارة المحلية وسيتم إنجازه قبل تموز القادم، إضافة إلى تشكيل لجنة تعمل على تجميل مدينة اللاذقية وإزالة التعديات على الحدائق العامة، ومتابعة الواجهات السياحية للمدينة من خلال لجنة تم تشكيلها تضم خبراء وفنانين، إضافة إلى إعادة إحياء المدينة القديمة لتصبح مقصداً للسياح، وأعرب المحافظ عن استعداد المحافظة لتقديم كل التسهيلات المطلوبة التي من شأنها الإسهام في تطوير المحافظة ودعمها لأي قرار يخدم نقابة المهندسين والمواطن على حد سواء.

من أهم إشكاليات مخطط 2008 التي تكررت مع الحفظ 2015 كانت نسف كل مناطق المخالفات الجماعية، وإعداد دراسات من قبل الشركة العامة للدراسة والاستثمار على أنها مناطق فارغة، ولكن الواقع أن المخالفات بقيت موجودة حتى يومنا هذا وفي المخطط الجديد استُبعدت مناطق المخالفات، على أن تخضع لدراسة تنظيمية لاحقة!! لم ينفِ مجلس المدينة أيّاً من هذه الوقائع التي تحدثنا عنها، ولكنه يبرّر ما يحدث اليوم بأن الوقت قد نفد منهم.. والمخطط يجب إصداره سريعاً.. هذا السبب  جعلهم يضعون مناطق المخالفات ضمن دراسة لاحقة.. مؤكداً أنهم سيأخذون موضوع الاعتراضات بجدية.. وسيدرسون الموضوع من كل جهاته.. والسؤال هو: من المهم أكثر؟ إصدار المخطط التنظيمي ضمن المدة التي حددها السيد الوزير والسيد المحافظ، أم إصدار مخطط تنظيمي لتحسين واقع المدينة بشكل قابل للتطبيق؟ على اعتبار أن الوقت نفد من زمن طويل؟!..

العدد 1107 - 22/5/2024