معركة الجبهة الغربية من حلب

 منذ عام 2012 عملت الجماعات الإسلامية المسلحة دون كلل للسيطرة على المدينة، لكن جملة من الظروف حالت دون ذلك، وبعد ثلاث سنوات أصبحت مدينة حلب المعيار العام لكيفية إعادة تموضع التوازنات الإقليمية والدولية في المنطقة. وما الحملة غير المسبوقة الإعلامية والدبلوماسية التي شنّها الغرب على كل من سورية وروسيا سوى انعكاس لليقين بأن حلفاءها من المعارضة (المعتدلة) في مدينة حلب في طريقهم نحو الهزيمة.

في اليوم نفسه الذي عُقِدَ فيه اللقاء الثلاثي بين وزراء خارجية سورية وإيران وروسيا في موسكو، أعلنت مجموعة من الفصائل الإسلامية المسلحة بقيادة كل من (جيش الفتح) و(فتح حلب) و(جيش إدلب الحر) بدء معركة كسر الحصار. شملت هذه المعركة جبهات في منيّان ومحيط الأكاديمية العسكرية ومشروع 3000 شقة في حي الحمدانية والحي الجنوبي من حلب الجديدة وجمعية الزهراء والمباني المحيطة بها و(كتيبة المدفعية). وسيطرت المجموعات الإسلامية المسلحة على (منيان البلدة) وأجزاء من مشروع 3000 شقة، وكذلك على أجزاء من حي (ضاحية الأسد) في حلب الجديدة، الذي دخلت إلى مربعات سكنية فيه مساء اليوم الثاني من الهجوم. لكن في اليومين التاليين استطاع الجيش السوري وحلفاؤه استعادة السيطرة على معامل الأوبري وبيوت مهنا، وعدد من الكتل والأبنية السكنية والعسكرية في جمعية الزهراء ومعظم محيط منطقة منيان البلدة.

احتدام المعارك على الجبهة الغربية الجنوبية من حلب يشير إلى أن طوراً جديداً من الصراع قد بدأ، ذلك أن طرفي الصراع قد أكملا فعلاً كامل الاستعدادات لهذه الحرب، بعد فترة قصيرة من انقضاء الهدنة التي استمرت قرابة أسبوعين. بدأت المعركة وأعلنت القذائف التي تحمل- كما تشير المعلومات- مواد كيميائية ووصلت إلى عمق (حلب الجديدة)، أن سبيل المجموعات الإسلامية المسلحة هي حرب مفتوحة، وأن الهدنة أصبحت من الماضي، وهو ما أكده وزير الدفاع الروسي عندما قال في الأول من هذا الشهر: (إن العملية السياسية من أجل سورية قد تأجلت). لقد حشد طرفا القتال كل إمكاناتهم في معركة حلب، فالمعارك حالياً تدور بين بضعة آلاف من المهاجمين، وعدد مماثل تقريباً من المدافعين. لكن ما هو جديد أن المجموعات الإسلامية المسلحة قد تلقت صواريخ مضادة للطائرات. واللافت في الهجوم الأخير على محوري حلب الجديدة والأكاديمية العسكرية أنه شبيه بأداء الجيوش النظامية، والترسانة المُتخمة من الأسلحة التي استخدمها المسلحون، منها استخدامهم صواريخ الغراد، بكثافة، إضافة إلى ذلك الاستخدام الكثيف للسيارات المفخخة والانتحاريين، ما يشير إلى التمويل الهائل لهذه المعركة.

 المعركة على جبهات الحرب الغربية مازالت مشتعلة، لكن في صبيحة الجمعة وبعد أسبوع من المعارك أعلن عن فشل هجوم المرحلة الثانية الذي اعتُبر الأعنف منذ بداية الحرب. ترافق تدهور الأوضاع على الجانب الغربي مدينة حلب الغربية بقاء الوضع في حلب الشرقية على ما هو عليه، إذ إن مبادرة مبعوث الأمم المتحدة ستيفان ديمستورا التي دعت إلى خروج 900 مسلح منها – وهو أقل بكثير من العدد الحقيقي- لم ترَ النور.

من الواضح أن اشتعال غرب حلب جاء في سياق تطور الأحداث الميدانية في الشمال السوري، بشكل عام، كنوع من تشتيت الاستعدادات السورية الروسية لأي تطور محتمل على جبهة مدينة الباب، حيث أصبح كلا الجيشين: السوري النظامي، و(السوري الحر) المدعوم من أنقرة على تماس مباشر تقريباً. ولا نستبعد أن تعمُّد حلفاء المعارضة الإسلامية (المعتدلة) الدوليين إطالة المعركة في حلب، هدفه استنزاف روسيا، وهو ورقة يمكن استخدامها في الانتخابات الأمريكية، ذلك أن أي انتصار للروس في حلب قد يؤثر سلبياً على مرشحة الحزب الديمقراطي السيدة هيلاري كلينتون. مع ذلك يبدو أن حدة التناقض بين موسكو وواشنطن لم تؤثر على حدة الاشتباك بينهما. لكن من المنظور الاستراتيجي يظهر الأمر أعقد من ذلك بكثير. إن تعزيز روسيا لقواتها الموجودة في سورية بقِطَع بحرية مهمة، مرتبط بما هو أكبر من معركة حلب؛ فهو مرتبط بكيفية الحفاظ على ملء الفراغ الاستراتيجي في الشرق الأوسط من الجانب الغربي منه (سورية)، في مقابل تطورات معركة الموصل التي يسعى الغرب بقيادة الولايات المتحدة إلى ضبط مخرجاتها، ليس فقط لاحتواء إيران، بل لوقف أي تمدّد محتمل للكتلة الأوراسية نحو الجنوب.

العدد 1105 - 01/5/2024