عن أي ترشيد تتحدثون؟

لم يعد الحديث عن غياب الثقافة الاستهلاكية وعن ضرورة وجود ثقافة الترشيد في أدبيات المستهلك السوري، وعن أهمية مقاطعة السلعة التي ترتفع أسعارها في الأسواق حكراً على الأوساط الحكومية التي تلقي ببعض عجزها على كاهل المستهلك عبر هذه الدعوات، بل أتت بعض الأوساط الصحفية والإعلامية لتصور تلك الدعوات وخصوصاً في أوقات الأزمة الحالية وتتحدث عن دور غياب تلك الثقافة في تفاقم ما يعانيه المستهلكون من نقص في تأمين المواد الأساسية، وليحملوا غياب تلك الثقافة في المحصلة دون أن يذكروا مسؤولية انفلات الأسواق وتمادي التجار في رفع الأسعار؟! وما نتج عنه من مأساة واستغلال؟!

الترشيد في الاستهلاك بات أمراً واقعاً في ظل ظروف الأزمة، والدعوات والنداءات لم تكن المنشأ لمثل هذه الظاهرة، بل إن تراجع القدرة الشرائية للسوريين هو من كان الأرضية الخصبة لها وهو أتى نتيجة لتوقف جزء غير قليل من الحركة الاقتصادية في عموم البلاد، وارتفاع الأسعار بشكل جنوني دون رقيب ونتيجة التخبط الذي تعيشه أسعار الصرف، وهي التي أدت إلى تدني الاستهلاك الإجمالي لتراجع الإمكانات الشرائية، إلا أن هذا لم يكن على حساب ما هو فائض من الاستهلاك الضروري، كما يحاول البعض الادعاء، لأن أغلب السوريين يصنفون ضمن شريحة أصحاب الدخل المحدود، أي أن لا فوضى في استهلاكهم، الذي يصنف ضمن الحد الأدنى..

وللذين يتحدثون عن ضرورة مقاطعة السلع التي ترتفع أسعارها لابد من سؤالهم هل من بدائل للسلع الأساسية التي ستجري مقاطعتها؟؟ خاصة في ظل نقص المعروض من السلع بأغلبها على مستوى الكمّ والنوع؟؟!!

تلك الدعوات إلى تحميل الثقافة الاستهلاكية مسؤولية أكبر من حجمها الشكلي لا تبتعد كثيراً في الشبه عن وزارة الكهرباء التي تدعو المواطن إلى ترشيد استهلاكه من الكهرباء، وهي ذاتها تعاني من فاقد كهربائي مرعب يتجاوز 40% وهو كافٍ إذا ما جرى ضبطه للتقليل من التقنين الكهربائي أو الانتهاء منه على مستوى البلاد.

وهم لا يختلفون في هذه الحالة عن دعوات الكثير من الوزارات إلى ضبط النفقات على حساب الموظفين الصغار، والصغار منهم فقط بينما لا يمس هذا التقنين فرش مكاتب المديرين، او مخصصاتهم من البنزين والمازوت، أو حتى أذونات سفرهم التي تفوق رواتب عدد غير قليل من الموظفين في المؤسسة ذاتها، فعن أي ترشيد يتحدثون؟؟

فهل على السوريين أن يتناولوا وجبة واحدة مثلاً لكي ترضى طموحات بعض المسؤولين الترشيدية؟!! ولا ننفي هنا بأن البعض مجبرون على اتباع تلك السياسة التقشفية فدخولهم لا تسمح لهم بأكثر من تلك الوجبة يومياً…

فما يجري اليوم لا يمت إلى الترشيد بصلة، بل هو تقشف حقيقي يمارسه المستهلكون بحكم ظروفهم، ولا يتعدى كونه اكتفاء بالحد الأدنى من الاستهلاك الأساسي والضروري أي أنه ترشيد إجباري أنتجته ظروف الأزمة وتراجع القوة الشرائية للغالبية الساحقة من المستهلكين، فلسان حال هؤلاء لا ينطق إلا بثقافة استهلاكية كانت ولا تزال تعتمد مبدأ (على قدّ بساطك مد رجليك!) إلا أن هذا البساط يضيق شيئاً فشيئاً على أقدام السوريين..

العدد 1107 - 22/5/2024