الروس يواجهون «النصرة».. والأمريكيون يعرقلون!

يتفق الجميع على أن إعلان روسيا بدء اتخاذ الإجراءات الرادعة بمواجهة (النصرة)، بمشاركة الجيش السوري في 25 الجاري، يمثل نفاد الصبر من جهة، وإصراراً على وضع الحد الفاصل بين مؤيدي الهدنة التي أقرها المجتمع الدولي، ومؤجّجي الموقف والساعين إلى استمرار القتل، وارتكاب المجازر بحق المواطنين السوريين من جهة ثانية، وهذا الفرز ضروري من وجهة النظر الروسية الأمريكية، حسب ما جاء في بيان فيينا الأخير، الذي ركز على مكافحة داعش والنصرة المصنفتين في قائمة الإرهاب حسب قرار مجلس الأمن الدولي، والذي دعا باقي المنظمات المسلحة المعارضة إلى عدم التعاون معها، والانضواء تحت راية الهدنة، وتأييد الجهود السلمية لإنهاء الأزمة السورية.

الإعلان الروسي جاء على لسان وزير الدفاع، الذي طالب الولايات المتحدة بالمشاركة في هذا الجهد لمكافحة الإرهاب الذي تحول إلى خطر إقليمي ودولي، والذي يعيق أي عملية سلمية لتسوية الأزمة السورية. الرد الأمريكي جاء سريعاً برفض الانضمام إلى المسعى الروسي، ما يؤكد مجدداً خطورة السياسة الأمريكية القائمة على إطالة الأزمة السورية، وفرض أطراف (معتدلة) شريكة لداعش والنصرة بهدف تعقيد أي جهد سلمي وعرقلته، وتشجيع الأتراك وآل سعود على دعم الإرهابيين وتعويض خسائرهم.

الخطوة الروسية المزمع تنفيذها ضد (النصرة) ترافقت مع بدء التحضير لتحرير الرقة من الدواعش، بمساهمة روسية وأمريكية ودولية، وقد ألقت الطائرات مناشير في سماء المدينة، تدعو سكانها إلى الخروج منها، والابتعاد عن مواقع الإرهابيين الدواعش وتجمعاتهم، تمهيداً لبدء الهجوم على المدينة.

ما يثير الانتباه هنا موافقة الأمريكيين على المساهمة الروسية في اجتياح الرقة ضد داعش، ورفضها أن تشارك هي مع روسيا في مكافحة النصرة، وهذا الموقف ربطه الكثيرون بمسعى أمريكي لطي اسم جبهة النصرة من قائمة الإرهاب التي أقرها المجتمع الدولي، تمهيداً لدعمها العلني، وضمّها إلى الأطراف المشاركة في الجهود السلمية، بذريعة أنها طرف (معتدل)، ما يطيح بجميع المساعي لحل الأزمة السورية.

بيان فيينا الأخير لم يأت بجديد، فيما يتعلق بأهمية الاتفاق على المرحلة السياسية الانتقالية التي يجب أن تنجز بإرادة السوريين وبقيادة سورية، وهذا ما نص عليه قرار مجلس الأمن 2254 لعام 2015 وبيانات فيينا لمجموعة دعم سورية في عامي 2015 و،2016 لكنه أكد ضرورة إيصال المساعدات الإنسانية إلى جميع المناطق المحاصرة، ولو تطلب الأمر استخدام الطيران، وضرورة إطلاق جميع المحتجزين والمعتقلين لدى جميع الأطراف، والتزام الجميع بوقف إطلاق النار.

ما جاء في بيان فيينا الأخير في 17 أيار 2016 حول الهدنة الشاملة ومكافحة الإرهاب لن يجد طريقه إلى التنفيذ ما لم تلتزم بعض الجهات المشاركة بوقف مساعدتها ودعمها للإرهابيين، وفي مقدمة هذه الدول الولايات المتحدة وتركيا وآل سعود.. وهذا ما قصده الوزير الروسي لافروف حين تحدث عن تدفق الإرهابيين والأسلحة عبر الحدود السورية التركية، مذكراً بوجود شبكة واسعة على الجانب التركي من الحدود لتموين تنظيم داعش ومساندته.

المواطنون السوريون يشهدون اليوم على أرضهم أحداثاً قد تشكل منعطفاً باتجاه نجاح المساعي السلمية على قاعدة مكافحة الإرهاب، لكن الواقعية السياسية تدفعنا إلى التنبيه من احتمال الدفع باتجاه التصعيد، ونسف جميع الجهود السياسية، إذا ما استمرت الولايات المتحدة وتركيا وآل سعود في توجهاتهم لدعم الإرهابيين.. وهذا ما يستدعي تكثيف الجهود الحكومية لإيقاف مسلسل إرهاق المواطنين، والعمل على وضع حد لمشكلاتهم المعيشية، بإجراءات استثنائية تضع حداً للارتفاعات المستمرة في أسعار جميع السلع، وتدعم قدرتهم الشرائية كي يستمروا في صمودهم وتصديهم للإرهاب وفكره الإقصائي. الأيام القادمة يريدها السوريون حاسمة في تحقيق طموحهم إلى إنهاء أزمتهم عبر إنجاح الجهود السلمية، والتوافق بين جميع مكوناتهم السياسية والاجتماعية الوطنية على المستقبل السوري الديمقراطي.. العلماني.. المدني، وذلك عبر حوار وطني شامل يساهم فيه الجميع.

العدد 1107 - 22/5/2024